بعد انقطاع دام عشرة سنوات من دخولي إلى جنين زرتها اليوم. جنين كانت تعد مركز هام للمشتريات والتسوق الشعبي لعرب 48 نظرا إلى غلاء الأسعار وارتفاع مستوى المعيشة في فلسطين الخط الأخضر.

ما زلت اذكر دخولي أول مرة إلى جنين, من دون حواجز كأنك تسافر من منطقة إلى أخرى في شمال فلسطين.

كانت جنين "عجقة" مركز لتوافد الناس وكثرة البائعين. اذكر انه كان هناك احد البائعين ينادي "ليلى ليلي" في السوق. لم افهم ماذا تعني كلمة ليلي بقاموس بائع خضار عندها توجهت لسؤاله : "عمو ايش يعني ليلى?" وقال : "هذه هي ليلى يا شاطرة", وكانت حبة سجيف بلهجتنا – فقرة مضحكة.

ذكرى أخرى روادتني وهي الأطفال أصحاب العربات المتنقلة التي لا تتجاوز أعمارهن بين 10-15 سنه, والذين يعملون كنقالين للخضار والفواكه بمساعدة عرباتهن التعيسة. كانوا بنظري أطفال مساكين, وطالما تساءلت عدم توجههم إلى المدارس وتواجدهن بالسوق... مع مرور الوقت اكتشفت أنها صورة نمطية وعادية لطفل فلسطيني محتل...

دخلنا إلى جنين بشكل انسيابي بعد عبور الحاجز. كانت هي ذاتها جنين في أول مدخل ترى معرض الزخارف الطينية على جانب الطريق, المسجد الأبيض في مقدمة الشارع, السوق الشعبي وصوت البائعين الصخب, محلات الملابس ومعارض الأثاث, وبالطبع المطاعم المتنوعة وجمل الترحيب بالزبائن "تفضلوا عنا".

ذهابنا إلى جنين كان يشبه العودة إلى الذاكرة واستحضار الذات الفلسطينية الأصيلة, زيارة قصيرة لكنها نسجت معها تواصل فكري ومضموني كشعب فلسطيني واحد.

في تمام الساعة السادسة مساءا توجهنا إلى الحاجز لمغادرة جنين. إن تفتيش السيارات الداخلة من السلطة الفلسطينية إلى داخل الخط الأخضر يتعلق بمزاج الجندي الذي يقف على الحاجز, أحيانا تكون جندية وقحة تريد فقط العبث بالحياة اليومية للفلسطينية والفلسطيني معا. أخر يكون جندي تافه يعجب بالسيدة العابرة فيسمح لها المرور من دون أي إشكال, وهناك الجندي القاسي كأي جندي أخر قمعي بحواجزه وعرقلته لحياة ألاف الفلسطينيين.

اليوم في طريق الخروج من جنين وصلنا إلى حاجز الجلبوع, بداية طلبوا رؤية الهوية الزرقاء ومن ثم قام جندي التفتيش بوضع ورقة زرقاء على الزجاج الأمامي للسيارة وطلب منا ألتوجهه إلى اليمين. لم نفهم ماذا تعني هذه الورقة وتوجهنا إلى اليمين كباقي السيارات العربية الأخرى.

توقفنا في محطة الانتظار ثم جاء شاب وفسر لنا إنهم سيقومون بإجراء فحص أمني للسيارة, نعم, فحص أمني بكل معنى الكلمة! لقد بدت علي وعلى أمي ملامح تعجب واستفهام, ثم سؤلنا: "هل يوجد لديكم سلاح داخل السيارة?" واجبنا: "لا طبعا", وتابع وقال إن مدة التفتيش سوف تكون ما بين 10-15 دقيقة. أمي قالت بشكل عفوي "أوف كثير", عندها جاوب إذا ربما سوف تصل مدة التفتيش إلى 25 دقيقة.

نزلنا من السيارة وقمت بسؤاله ماذا نفعل ألان وجاوبني بكل استهزاء: "صلني نصف ساعة بشرح", طبعا بالعبرية. إجابته استفزتني فقلت له ربما هذا عملك وعليك أن تشرح مرة أخرى – حقير بقلبي. لقد قمنا بتنزيل محتويات السيارة وحتى قنينة الماء, وبعدها أمر الجندي أخي حمزة بإحضار العجلة لتحميل الأغراض: "خبيبي جيب العرباي".

تمت عملية التحميل بسلام وتوجهنا إلى المحطة التالية: "التفتيش الكهربائي": ربما يجب علينا التوضيح إن عملية التفتيش تتم لدى الإنسان الكهربائي, قابلتنا سيدة متغطرسة صادية, لقد أمرتنا بتمرير أغراضنا للمسح الإشعاعي, عندها تكلمت مع أمي بطريقة غير لطيفة ولم استطع تحمل فوقيتها وتعجرفها وتدخلت وقلت لها بنبرة حادة وبلهجة عربية ألا تستطيعين الانتظار قليلا حتى تنهي أمي محادثة التلفون المهمة؟ صمتت ولم تجاوب.

عبرنا المسح وتوجهنا إلى الخارج عندها وجدنا عشرات الفلسطينيون ينظرون نحو مراكبهم المعلقة بأيدي وكلاب الجنود, كان منظر غريب سيارات عربية مفككة ومحاطة بأجهزة الأمن. لماذا سال حمزة أخي الصغير, لماذا نحن بالذات؟

سؤال مثير للاهتمام حموز...