مؤتمر الخليل الثاني: "معا ضد الاحتلال والكولونيالية والعنصرية" - كلمة القوى المنظمة للمؤتمر

كلمة القوى المنظمة لمؤتمرالخليل الثاني ألقاها نصار إبراهيم, مدير مركز المعلومات البديلة في بيت ساحور. "المؤتمر أيضا رسالة إلى القوى المناصرة والداعمة لشعبنا في العالم لنقول لها معا، فلسطينيون وإسرائيليون، بأن مشكلتنا ليست مع اليهود لأنهم يهود وليست مع الإسرائيليين لأنهم إسرائيليين بل مشكلتنا مع الاحتلال ومنظومته الاستعمارية ومع الحركة الصهيونية وإيديولوجيتها وسلوكها العنصري، تلك السياسة التي يدفع الشعب الفلسطيني واليهود أيضا ثمنها منذ ما يقارب القرن، وبالتالي فإن مواجهة هذا الاحتلال المدعوم من القوى الاستعمارية العالمية بقدر ما هي مهمة وواجب فلسطيني وإسرائيلي فإنها أيضا مهمة وواجب أممي أيضا. هذه هي ركيزة النضال المشترك بأبعاده المختلفة."


باسم القوى السياسية الفلسطينية اليسارية في الخليل، وحركة ترابط ومركز المعلومات البديلة، نتوجه بالتحية والشكر لجميع من شارك في الإعداد لهذا المؤتمر، مع ضرورة التنويه أن تحديد القوى المنظمة لا يعني بحال من الأحوال أي استبعاد للقوى الأخرى، ومن هنا كان إصرارنا على التعاون والتنسيق مع الأخوة في محافظة الخليل وفي بلدية الخليل فهم في قلب هذه العملية بكل أبعادها.

في البداية تحية تقدير إلى الخليل كمدينة ومحافظة بأهلها وقواها السياسية والاجتماعية، التي شكلت وعلى مدار سنوات الحاضنة للعمل الثقافي والسياسي، فالتعاون والتسهيلات التي تقدمها هذه المدينة تعكس وعيا عميقا لمفهوم العمل الوطني والاجتماعي والثقافي. إنها مدينة الخليل التي تواجه بروحها وهويتها التجلي الأشرس للاحتلال الإسرائيلي الذي يستهدف قلبها، ولهذا فهي تبادر بالرد من خلال احتضان فعاليات لا حصر وبهذا تقف الخليل دائما بأهلها وقواها السياسية والمدنية عند خط الواجب والمقاومة الأول. إنها تقدم النموذج والقدرة على المبادرة الذي يستحق التعميم.

هذا المؤتمر ليس مجرد لقاء، إنه فعل سياسي وثقافي يحمل مجموعة من الرسائل الهامة والأساسية التي أود التنويه إليها:

  • معا ضد الاحتلال والكولونيالية والعنصرية! نعم للنضال المشترك.. لا للتطبيع! هذه هي الرسالة المحورية الأولى، التي تحدد جوهر المقاربة السياسية والأخلاقية والثقافية للنضال المشترك بما هو البديل والرد على ثقافة وسياسة التطبيع التي تستهدف القفز عن جذور ومحددات الصراع وتكريس وتشريع ما فرضه الاحتلال من وقائع على مدار العقود السابقة، والترويج للتطبيع باعتباره النقيض لمفهوم المقاومة بكل تجلياتها.  فالمقاومة ضد المشروع الصهيوني لا تقف حدودها عند إنهاء الاحتلال بتجلياته الملموسة والمباشرة، بل تتعدى ذلك إلى مقاومة المنظومة الكولونيالية: السياسية والاقتصادية والثقافية والقانونية والأيديولوجية, التي تستند إليها ممارسات النظام السياسي في إسرائيل، انطلاقا من ذلك فإن مفهوم النضال المشترك يتخطى البعد التضامني ليصبح عملية شاملة وعميقة تعني الفلسطينيين والإسرائيليين. هذا هو الفارق الحاسم الذي يحدد التخوم الواضحة بين من يناضل ضد هذه المنظومة الكولونيالية وبين من يحاول تكريسها والتطبيع معها.
  • المؤتمرعملية سياسية وثقافية مستمرة ومتواصلة، فهو استمرار لمؤتمر الخليل الأول الذي عقد في عام 2011، بما سبقه وما تلاه من حوارات وفعاليات سياسية وميدانية، وبهذا المعنى فإنه وليد التجربة بكل تعقيداتها، ولأن المؤتمر واضح في أهدافه ورسالته، فإنه ينعقد هنا في قلب مدينة الخليل لكي يعكس وبجرأة سياسية العملية النضالية السياسية الواضحة في أهدافها وطبيعة المشاركين، وبهذا فهو بمثابة الرد على اللقاءات التي تجري في الغرف المغلقة أو في العواصم الأوروبية.
  • يشكل المؤتمر رسالة للقوى السياسية الفلسطينية الفاعلة بشكل عام التي عليها أن تتقدم برؤيتها وممارستها السياسية الواضحة لتبلور أسس البديل السياسي والثقافي والعملي في مواجهة سياسة وثقافة وسلوك التطبيع، التي تنتشر وتتوسع بصورة مباشرة وغير مباشرة، وتشمل مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، تلك السياسة التي تستهدف احتلال وتشويه الوعي الفلسطيني، ولهذا كان شعار المؤتمر: معا ضد الاحتلال والكولونيالية والعنصرية... نعم للنضال المشترك لا للتطبيع!
  • والمؤتمر هو أيضا رسالة وفرصة وتحدي لقوى اليسار الفلسطيني لكي تقدم رؤيتها ومقاربتها التقدمية في كيفية التعامل مع القوى التقدمية الإسرائيلية، وعدم ترك الشارع الإسرائيلي حقلا مغلقا للقوى والأيديولوجية العنصرية الصهيونية. فكما تحاول قوى الاحتلال اختراق المجتمع الفلسطيني والمجتمع العربي وشعوب العالم وتوظيف هذا الاختراق السياسي والثقافي والاقتصادي لخدمة مشاريع الاحتلال، فإن مهمة وواجب القوى السياسية الفلسطينية وقوى اليسار الفلسطيني خاصة، والقوى الديمقراطية التقدمية الإسرائيلية أن تتصدى لهذه السياسة على كل المستويات، بهدف توسيع وتنظيم وحشد الأفراد والقوى والحركات المناهضة للاحتلال وللصهيونية وللنظام الكولونيالي.
  • كما إن المؤتمر يشكل رسالة أيضا إلى مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني والمنظمات غيرالحكومية، ويضعها أمام مهمة واضحة تفرض المبادرة الفاعلة لكي تلعب دورها في مواجهة المؤسسات والمشاريع التي تروج لثقافة وسياسة التطبيع من خلال بلورة واحتضان البديل الإيجابي الذي يقوم على مبدأ النضال المشترك المستند إلى رؤية ومواقف سياسية واضحة. وبهذا المعنى من الهام ضرورة وعي العلاقة مابين القوى السياسية الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني والحركات الاجتماعية الشعبية، إنها علاقة تقوم على التفاعل والتكامل وليس الإقصاء والتهميش، وأي محاولة للعبث بهذا المبدأ أو تجاهله أو التصادم معه لن تكون نتيجتها سوى الفشل.
  • والمؤتمر أيضا يشكل رسالة وتحديا لحركة ترابط وللقوى الديمقراطية التقدمية في إسرائيل ويضعها أمام مسؤولياتها بضرورة التصدي لسياسات الاحتلال وللنظام العنصري والاستعماري الذي تعكسه بنية دولة الاحتلال، إنها فرصة لكي تتخطى تلك الحركات والنشطاء السقوف التي وضعها النظام الكولونيالي الإسرائيلي، لكي تكون جزءا فاعلا من جبهة المقاومة بدون غموض أو تردد أو مهادنة، بذلك فقط يستقبلهم الشعب الفلسطيني، وبهذا المعنى بالضبط لم يكن هدف هذا المؤتمر تدوير الزوايا أو المساومة على الحقوق الوطنية، وإنما مؤتمر يستهدف تصعيد النضال المشترك على قاعدة إنهاء الاحتلال بالكامل وضمان حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة بما فيها حق العودة وتقرير المصير وبناء دولته الوطنية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس، وفي ذات الوقت النضال المشترك ضد النظام العنصري الكولونيالي في إسرائيل والذي يستهدف الفلسطينيين وقطاعات واسعة من الإسرائيليين ويجعل من إسرائيل أداة في يد القوى الإمبريالية العالمية في المنطقة. من هنا فإن على حركة ترابط والقوى الديمقراطية التقدمية في إسرائيل أن تدرك أن من يناضل معها ويحتضنها هي القوى السياسية الفلسطينية التاريخية والفاعلة، تلك القوى التي قدمت مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى، وخصوصية هذا المؤتمر أنه ليس مؤتمرا لبعض النخب أو لبعض المنظمات غير الحكومية بل مؤتمرا سياسيا بامتياز، هذا هو ردنا وهذا هو بديلنا وعلى الجميع أن يرتقي لمستوى هذا التحدي.
  • والمؤتمر أيضا رسالة إلى القوى المناصرة والداعمة لشعبنا في العالم لنقول لها معا، فلسطينيون وإسرائيليون، بأن مشكلتنا ليست مع اليهود لأنهم يهود وليست مع الإسرائيليين لأنهم إسرائيليين بل مشكلتنا مع الاحتلال ومنظومته الاستعمارية ومع الحركة الصهيونية وإيديولوجيتها وسلوكها العنصري، تلك السياسة التي يدفع الشعب الفلسطيني واليهود أيضا ثمنها منذ ما يقارب القرن، وبالتالي فإن مواجهة هذا الاحتلال المدعوم من القوى الاستعمارية العالمية بقدر ما هي مهمة وواجب فلسطيني وإسرائيلي فإنها أيضا مهمة وواجب أممي أيضا. هذه هي  ركيزة النضال المشترك بأبعاده المختلفة.. ولهذا فإن من يؤمن بالنضال المشترك يجب أن يغادر دوائر النفاق السياسي، فها هي القوى السياسية الفلسطينية الفاعلة والقوى الديمقراطية التقدمية في إسرائيل تلتقي تحت الضوء وأمام الجميع وتوجه رسالتها الحاسمة لكل من يريد فعلا أن يدعم النضال الفلسطيني–الإسرائيلي المشترك على قاعدة وأسس سياسية واضحة تماما بعيدا عن الغموض ومحاولات فرض مشاريع التطبيع على الشعب الفلسطيني، فأهلا بمن يؤمن بهذا النضال الحقيقي ولا لمن يحاول تشويه الوعي والالتفاف على الحقوق الواضحة والثابتة للشعب الفلسطيني المناضل من أجل حريته واستقلاله.
  • وأخيرا اسمحوا لي أن أتوجه بكلمة إلى زملائي ورفاقي في مركز المعلومات البديلة، هذا المركز الذي احتفل العام الماضي بمرور ثلاثين عاما على تأسيسه بمبادرة من قوى اليسار الفلسطيني وبعض نشطاء اليسار الإسرائيلي التقدميين من حركة ماتبسين. أقول لهم ها هو صمودنا ونضالنا المشترك قد أعطى ثماره بعد ثلاثين عاما،  لقد نحتنا سويا في الصخر، وقاومنا كل الإغراءات والضغوط لكي نحافظ على وضوح المبادئ والمواقف السياسية، لم نساوم على حقوق الشعب الفلسطيني مليمترا واحدا، وتحملنا من يتهمنا بالتطرف، وقلنا لهم نحن الأكثر عقلانية، وعلى أساس ذلك بادرنا كمركز لمد الجسور ما بين القوى السياسية اليسارية الفلسطينية والقوى التقدمية الإسرائيلية وحركة ترابط، وصولا إلى هذه اللحظة وهذا الإنجاز الذي تحتفلون وتفتخرون جميعا به اليوم، وهذا يفرض على القوى اليسارية الفلسطينية والقوى التقدمية الإسرائيلية أن تشكل الحاضنة لهذا المركز الطليعي، الذي قاوم التطبيع بكل ضراوة والذي رفع راية الشعار البديل والنبيل والتقدمي: نعم للنضال المشترك ..لا للتطبيع! الذي أصبح شعارنا ومبدؤنا المشترك.

في النهاية، إن طبيعة القوى المشاركة في هذا المؤتمر وخصوصية المكان الذي ينعقد فيه وعناوين وجوهر القضايا المطروحة للنقاش  كل ذلك هو الذي يعطي لهذا المؤتمر خصوصيته السياسية والثقافية والسلوكية والاجتماعية.