نحن في حركة ترابط-هتحبروت ندعم الشعب السوري الذي يناضل من أجل نيل حريته وحقوقه، ونقولها بصوت واضح.

هناك من يقولون بأن الواقع السوري والوضع في المنطقة مركبان، ولا شك انهم محقون. في هذا المقال نود خوض نقاش نزيه مع المواقف الرافضة لدعم الانتفاضة الديمقراطية للشعب السوري وعرض موقفنا منها:

  • النظام السوري هو نظام معاد للامبريالية، وهو يشكل سدا أخيرا في وجه السيطرة الغربية على منطقتنا

نظام البعث السوري هو نظام فاسد تسيطر فيه مجموعة صغيرة (رؤوس أموال ومتنفذون) على كميات ضخمة من المال المسروق مباشرة من جيوب أبناء الشعب السوري. هذه المجموعة الحاكمة لا تحركها منطلقات التصدي للامبريالية وليس بإمكانها أن تكون قدوة يحتذي بها بذلك أو بالدفاع عن الاشتراكية. صحيح أن النظام موجود في حالة نزاع مع إسرائيل وأمريكا، إلا أن العديد من الأحداث والوقائع كحرب العراق الأولى، تثبت عدم مبدئية وعدم تناغم مواقفه بسياساته الخارجية، بل كونها مواقفاً انتهازية. إضافة إلى ذلك، فإن الحرب بين الكتلتين انتهت منذ زمن بعيد، حيث أن الحديث اليوم هو عن نظام صديق لروسيا بوتين، التي هي رأس مالية استبدادية وذات توجهات امبريالية بنفسها، ونظام مدعوم من قبل الصين وهي الإمبراطورية الصاعدة والمجردة من أي رادع أو تأنيب للضمير.

  • المتظاهرون ضد النظام هم أبواق لمؤامرة امبريالية.

بدأت الاحتجاجات في درعا بمجموعة من الأهالي الذين تظاهروا ضد التصرفات المشينة لقوات الأمن التي اعتقلت وعذبت أبنائهم بسبب أنهم كتبوا على حائط المدرسة "الشعب يريد إسقاط بشار". أدت الإهانات بحق الأهالي وبحق وجهاء المنطقة إلى تفجير احتجاجات واسعة. تمددت الاحتجاجات في إنحاء الدولة بوحي من الثورات الديمقراطية الناجحة في تونس ومصر. يجب عدم نسيان ذلك.

بالرغم من تواجد قوى خارجية تحاول استغلال الموقف والركوب على موجة المحتجين السورية، إلا أن ذلك لا يحولهم إلى بوق في لعبة أو إلى وكلاء للإمبريالية. إن مصدر الاحتجاجات الرئيسي هو الواقع السوري الأليم ذاته!

لا توجد في سوريا إحصائيات رسمية بالإمكان الاعتماد عليها، لكن من الواضح للمواطنين السوريين أن نسبة البطالة كانت مرتفعة جدا قبل بداية الاحتجاجات وأن الوضع ساء منذ ذلك الحين. في هذه الظروف الاقتصادية-الاجتماعية ألصعبة حاول الكثيرون توفير لقمة عيشهم من خلال خدمة مؤسسات القمع والرقابة التابعة للدولة، أو عملوا على زيادة دخلهم عن طريق الوشاية بغيرهم. تصارع غالبية الشعب السوري الحياة اليومية المليئة بالفساد، حيث يجبر المرء على تقديم الرشاوى من أجل الحصول على ابسط الأمور. مع الوقت أخذت نبرة أصوات السوريين بالتصاعد والتحرر من الخوف، مطالبة بتغيير جذري. بنات وأبناء الشعب السوري هم مصدر الاحتجاجات، وكل تطرق إلى الموضوع يجب أن يبدأ بهم، بحقوقهم، معاناتهم، ومطالبهم المشروعة.

  • النظام السوري يحمي المقاومة الفلسطينية وهو صديق للقضية الفلسطينية

هناك قوات خاصة في سوريا وظيفتها مراقبة وقمع أي نشاط سياسي لسكانها من اللاجئين الفلسطينيين، حيث يمنع في سوريا عموماً أي حراك سياسي خارج خندق النظام. من الدارج في سوريا ان "يختفي" معارضو النظام و/أو يغتالون. في سوريا، هناك 19 مؤسسة أمنية مختلفة يجمعها هدف واحد: تصفية أي تهديد للنظام. أما تاريخيا، فقد كان دعم عائلة الأسد للمنظمات الفلسطينية مشروطاً دائماً بمصالحهم هم. ارتكب الجيش السوري مجازرا بحق الفلسطينيين أكثر من مرة خلال فترة حروبه بلبنان (تل الزعتر، طرابلس)، إلى جانب عمله المتواصل لتجزئة الحركة الوطنية الفلسطينية (دعم أبو موسى في لبنان وتشجيع الصراع بين حماس وفتح هما الحالتان الأبرز) لكسر استقلالية القرار عندها.

  • النضال الاجتماعي في سوريا هو صراع طائفي بالأساس. يعمل النظام على حماية الأقليات، خاصة الأقلية العلوية التي يمكن أن تتضرر من سيطرة الأغلبية السنية.

الطائفية موجودة في سوريا وهناك وضع مشحون تحدث فيه مصادمات مقلقة، بل جرائم تغذيها الكراهية والانتقام أحيانا على أساس طائفي. لكن، هذا ليس نظام كل العلويين! من يسمون بالشبيحة هم قوة أمنية اسسها الاسد أصلا من أجل قمع المعارضة والحراك السياسي لدى العلويين. واجه الأسد صعوبة باستخدام الجيش النظامي وقوات الأمن الرسمية ضد أبناء طائفته، لذا فقد أقام قوة إضافية فوق القانون. وكان الكثير من العلويين قد قتلوا على يد النظام ووكلائه وينشط الكثير منهم في صفوف المعارضة. يعمل الشبيحة على اشعال فتيل الطائفية في الأشهر الأخيرة، وهو نفس الهدف من وراء العمليات التخريبية في الأحياء المسيحية التي نفذت على يد مجهولين. ليس لهذا أي علاقة بالمظاهرات والإحتجاجات ضد النظام، التي شارك فيها ودعمها أبناء جميع الطوائف.

  • جزء كبير من الشعب السوري يتظاهر لدعم النظام، هذا الجزء لا يقل عددا عن المتظاهرين ضد النظام.

ليست هناك أهمية تذكر لتظاهرات دعم لنظام دكتاتوري. تفكّك الحياة في ظل نظام دكتاتوري مبنى المجتمع وتحول دون بروز قيادات محلية. يعرّض أي مواطن يبدي بوادر قيادية نفسه لخطر التصفية من قبل النظام، بينما يشاهد الآخرون ما يحدث وتصبح تصرفاتهم محكومة بالخوف. في نفس قنوات التلفزيون التي رأينا فيها مظاهرات التأييد رأينا أيضا صورا لمواطنين يقبلون صورة الأسد ويشهدون بأن "لا اله إلا بشار" تحت أرجل جنود يدوسون ظهورهم أو يوجهون مسدسات إلى رؤوسهم. وإن عدنا بذاكرتنا قليلا إلى ما قبل تفجر الانتفاضة الأولى، فسنتذكر إجابات المواطنين الفلسطينيين بنعم ضعيفة ردا على سؤال المذيع الإسرائيلي- "أنت مبسوط؟"، وبلا حازمه ردا على سؤاله ان كانت هناك مشكلة سياسية. النظر إلى مشاهد الدعم هذه على اعتبارها حقيقية هو تجاهل اعمي للقمع والخوف المتجذر في المجتمع السوري.

عدا عن مظاهر الدعم المبتذلة من قبل مواطنين خائفين، نلاحظ شلل المؤسسة السياسية التي من المفروض أن يستند إليها النظام. حتى الآن، بعد أكثر من سنة لبدأ الاحتجاجات، لم ينشر أي بيان دعم رسمي للنظام من قبل أي فرع محلي لحزب البعث أو الأحزاب الوهمية المحسوبة عليه من "الجبهة الوطنية التقدمية".

  • المقاومة مسلحة ولهذا فهي ليست مقاومة شعبية وهي بالتالي غير مشروعه.

هناك قوات متمردين تستعمل السلاح في صفوف المعارضة، إلا أن الصوت الأقوى والأوضح منذ بداية الاحتجاجات هو الصوت الداعي إلى ثورة ومقاومة غير عنيفة.

هناك دلائل تشير إلى ارتكاب جرائم حرب وقتل مواطنين بدم بارد على يد قوات متمرده – نحن نشجب هذه الجرائم كما نشجب جرائم النظام. قد تكون هناك مصالح معينة من وراء تنفيذ هذه الجرائم، إلى أن الخلفية لكل ما يجري هو انعدام ثقافة سياسية ديمقراطية لمدى عشرات السنين.

بما يخص التساؤلات المتعلقة بمشروعية حركة مقاومة مسلحة، علينا أن لا ننسى بأن سوريا نفسها، كباقي حلفاءها، تقوم بتسليح وبدعم حركات معارضة ومقاومة مسلحة في دول أخرى. من يطعن بشرعية المقاومة السورية لكونها مسلحة بينما يكيل المديح لحركات مقاومة مسلحة أخرى، فهو دون شك يكيل بمكيالين.

لسنا معنيين في إطار هذا المقال بنقاش الجانب الأخلاقي أو الإيديولوجي لاستعمال العنف كوسيلة للتمرد على نظام أكثر عنفا، ولكننا مرغمين على أن نتذكر ونذكر ان التاريخ قد أثبت لنا مرارا بأن المقاومة المسلّحة من اجل تأكيد سيادتها وهيمنتها، قد توّجه سلاحها أيضا ضد أبناء شعبها العزّل وليس فقط ضد النظام.

  • ماذا بالنسبة لتدخل أجنبي؟

اليوم، بعد أشهر عديدة من بدأ الاحتجاجات الواسعة وتضرر الاقتصاد، فإن ما يكفل بقاء النظام على قيد الحياة هو الدعم السخي من جانب دول أجنبية كروسيا، الصين وإيران. هذا يشكل أيضا نوعا من التدخل الدولي من وجهة نظر الشعب السوري.

نحن ضد تدخل عسكري دولي. إذ كل تدخل حصل في أماكن أخرى انتهى بنتائج كارثية. لا تقوم الدول العظمى بالتدخل من منطلقات مصلحة الشعوب، إنما لمصالح واعتبارات إستراتيجية. هناك أمثلة قريبة زمنيا وجغرافيا: العراق وليبيا. لا تجني الشعوب أي ثمار جراء تدخل عسكري امبريالي، فليس في العالم وجود ل-"روبين هود" نصير للشعوب، مالك لطائرات حربية، يقوم بوقف المجازر دون تنفيذ مجازر بنفسه والسطو على الثروات بعدها. ينطبق ذلك على أمريكا وحلف الناتو وليس عليها فقط. فإن تدخلا تركيا، أيضا لن يكون لصالح الشعب السوري بل من أجل قمع الأكراد ومن أجل مصالح النظام في تركيا.

يمكن لقيادات محلية مختلفة ومتنازعة أن تطلب تدخلاً امبريالياً أجنبيا- كان هذا هو الحال دائما. فإن كل تدخل عسكري أجنبي يتم بغطاء من طرف محلي يقوم بدعوته.

ليس السؤال هنا من هو الأكثر وحشية بقصف المدنيين – الدول الغربية العظمى أم الدكتاتورية المحلية. من منظار الخسارة بالأرواح فان كل أنواع القصف متشابهة، ولكن الفرق هو بمنظار الأضرار الناجمة عن تدخل عسكري بالمدى البعيد. فإن تواجد قوى أجنبية وإقليمية تقوم بنشاطات عسكرية في المنطقة، هو تدخّل له عواقب مختلفة تماما. هذه ضربة موجعة للشعوب التي تناضل لنيل حريتها.

منذ القرن التاسع عشر تقوم قوى غربية بالتدخل لانقاذ الشعوب الاصلانية المساكين من أنفسهم. حجة قسوة الشعوب الاصلانية التي تنفذ المجازر بحق بعضهم البعض ليست بالجديدة: هذا ما فعله الغرب في إفريقيا وفي آسيا وهذا ما حاولت إسرائيل ترويجه أيضا بالنسبة للشعب الفلسطيني. لن نقع اليوم في فخ التدخل العسكري الإنساني للأسياد المتنورين.

  • ماذا سيحدث إن سقط النظام؟ سيحل محله نظام أكثر سوءاً.

ليس من وظيفتنا أن نقرر بالنيابة عن الشعب السوري. خرجت الجماهير السورية إلى الشارع مطالبة بإسقاط النظام القائم. لا نعرف من سيحل محله بعد سقوطه. على الأغلب، ستكون هناك صراعات مريرة أخرى. نحن أيضا قلقين من صعود نظام إسلامي متشدّد، أو نظام دمى تتحكّم فيه أمريكا، أو نفس النظام القائم بحلة جديدة. من المرجح أن يحدث ذلك حقا، إلا أنه من شأن الشعب السوري صنع البديل والحكم عليه فيما بعد.

تفجرت الكثير من الثورات من أجل فكرة معينة ثم قامت بانتهائها أنظمة تناقض طبيعتها أهداف الثورة. الجزائر هي مثال على ذلك بنضالها ضد المستعمر الفرنسي الذي بدله نظام دكتاتوري قمعي، ومثال آخر هو إيران التي تحولت فيها الثورة من بشرى بمستقبل من الحرية إلى نظام قمعي وحشي. مع ذلك، لا تنفي النتيجة الأخيرة عدالة وشرعية النضال ضد فرنسا المستعمرة أو ضد نظام الشاه في إيران.

قتل في سوريا حتى الآن ما يزيد عن 10،000 مواطن بيد النظام. هذه الحقيقة وحدها كافية لكي يذهب هذا النظام إلى الجحيم. حتى وإن حوى هذا النظام جوانب أكثر ايجابية مقارنة بالبدائل التي من الممكن توقعها، فإن هذا النظام فقد شرعيته وحقه بالاستمرار.

من ناحيتنا، فنحن نفضل أن ينشأ في سوريا نظام مدني-ديمقراطي لا طائفي. نظام يحترم حياة مواطنيه وحقوقهم الاجتماعية ويعبر عن رغبات الشعب، نظام مستقل متحرر من التأثيرات الخارجية للولايات المتحدة، الصين، روسيا، تركيا، إيران وغيرها، نظام يعبر عن توق السوريين لتحرير الجولان من الاحتلال الإسرائيلي، ونظاما صديقا لشعوب المنطقة. لكن، هذا بالطبع شأن الشعب السوري وحده وهو الوحيد الذي يملك حق تقرير مصيره واختيار أي نظام وأي سلطة ستحكمه.

ما يطمئننا هو إننا على يقين بأن شعبا تصدى ببسالة لنظام وحشي كالنظام القائم، لن يسكت بعد اليوم عن قمع وطغيان أي نظام جديد آت. بدأ السوريون مسيرة تحرر لا رجوع عنها وسيستمرون بالنضال حتى بلوغ مرادهم.