יום האדמה

 

في عددها الصادر في 7 أيلول عام 1976, كشفت  جريدة "عل همشمار" عن  وثيقة سرية قام بإعدادها متصرف لواء  الشمال في وزارة الداخلية, يسرائيل كيننغ. أعدت هذه الوثيقة خصيصا لمتخذي القرار بشأن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل. كُتبت هذه الوثيقة عشية الإعلان عن الإضراب العام في يوم الأرض الأول 30 مارس عام 1976 الذي عبر فيه الفلسطينيون مواطني إسرائيل عن رفضهم لمصادرة الحكومة لأراضيهم وفقا لخطة "تهويد الجليل". على ضوء نجاح يوم الارض الاول  وانهيار بؤر السيطرة في القرى العربية, اتبع كيننغ وثيقته بورقة أخرى.

عند التعرض لوثيقة كينيج من المهم التمعن بكل التفاصيل كبيرها وصغيرها:

  • تحديد  نسبة العمال العرب الذين يعملون بمصانع تحظى بدعم حكومي لنسبة لا تتعدى 20%.
  • تسهيل هجرة الشباب والطلاب العرب للعمل والتعلم في الخارج من اجل تشجيع هجرتهم.
  • من وجهة نظرة الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية تفسح المجال للتفكير"بأفكار اجتماعية قومية", لذلك يجب منعها. لم يسمح كينيج لإحصائيات الفروقات بمستوى المعيشة والدخل القومي بين العرب واليهود ببلبلته: ففي مذكرته يصف بإسهاب ثراء العرب السري ويقترح عمليات جباية ضرائب توجه بشكل مؤسس ضد العرب. يبحث كينيج في مذكرته هذه عن طريقة يمنع  فيها حصول العائلات كثيرة الأولاد على استحقاق الدعم الاقتصادي وذلك عبر نقل صلاحيات الدعم الى مؤسسات صهيونية  كالهستدروت أو الوكالة اليهودية وذلك من اجل تقليص الدعم لليهود فقط.
  • كما ويدعو كينيج الى تأسيس أحزاب وهميه تعمل تحت رعاية وعين السلطات الحكومية وذلك من اجل ملاحقة قادة الحزب الشيوعي والتقليل من قوته.
  • تتعرض الوثيقة أيضا لبنود مفصلة  لكيفية التعامل مع العرب مواطني الدولة وهي تضم حث وتوجيه الطلاب العرب على تعلم  حرف مهنية أو علوم طبيعية لسببين رئيسيين الاول: أنها لا تترك متسعا كافيا من الوقت  للتفكير بالهوية القومية, ثانيا: لان نسبة التسرب فيها عالية عقب صعوبات أكاديمية.

لم تكتب هذه المذكرة لتنشر علنا بل لتبقى ى وثيقة سريه  كتبها ووجهها  موظف كبير في وزارة الداخلية الى القيادة العليا في المؤسسات الحاكمة.

תאופיק זיאד

توفيق زياد, 1929–1994

الخلفية.  جاءت هذه  المذكرة كردة فعل للنجاح التاريخي الذي حققه الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي دُعي ان ذاك باسم القائمة الجديدة للحزب الشيوعي. ففي كانون الأول سنة 1975 استطاعت قائمة جبهة الناصرة الديمقراطية برئاسة توفيق زياد الفوز في انتخابات البلدية، واضعة بذلك حدا  لسيطرة  أتباع المؤسسة الإسرائيلية طويلة المدى على البلدية.  نجاح "جبهة الناصرة" مَهد الطريق لاستمرار تعزيز احتجاج الاقلية الفلسطينية الشعبي في إسرائيل. كما وساهم بشكل مباشر بتأسيس قائمة جبهة قطرية – والتي دعيت ان ذاك الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، قبيل انتخابات الكنيست سنة 1977.

حسب وثيقة كينيج, كان الحزب الشيوعي الذي تزايدت قوته وقتها العدو الأساسي. كموظف عام رفيع المنصب  ومن خلال وثيقته يقترح  كينيج سلسلة من الخطوات والإجراءات التي تهدف الى إعاقة المواطنين العرب والتمييز ضدهم، بالإضافة الى ذلك يحث كينيج على تفعيل إجراءات سياسية مباشرة من قبل الدولة لإحباط الأحزاب السياسية.

الوثيقة.  ليس واضحاً إن كان كينيج نفسه هو من كتب الوثيقة بقوته الذاتية. ففي صحافة قيل إن تسفي الدروطي وهو سياسي رفيع المستوى في حزب العمل ومؤسس فرع الحزب في الشمال سنة 1971 والمرشح ان ذاك لمنصب مستشار رئيس الحكومة لشؤون العرب شارك مشاركة فعالة في كتابة هذه الوثيقة. الوثيقة عبارة عن خليط من تصريحات وهلوسة مستشرقة غير منطقية وعنصرية تعبر عن وجهة نظر المؤسسة السياسة الحاكمة.

نادراً ما يصل إلى أيدينا نص مستخلص من العمق اللاواعي للموظفين القدامى في تلك الدوائر الذين عملوا وزارات الدولة الهامة كوزارات الداخلة والخارجية، الأمن والاقتصاد وكذلك في المؤسسات التي تدار على أيدي حلفائهم والمقربين منهم، مثل مديرية أراضي إسرائيل, الكيرن كايميت وأجهزة الأمن والمخابرات.

هذه هي "الدولة العميقة" القادرة على الحفاظ على قوتها رغم تعاقب الحكومات المختلفة ورغم الخلافات التي قد تنشأ بين أعضائها في بعض الأحيان حول مسائل معينة، إلا أنها على اتفاق تام مع أساسيات الحركة الصهيونية والتي تحث على الطابع الإبقاء على الطابع الحصري اليهودي للدولة وتلعب دورا هاما في تحديد الخطوط السياسية العريضة للدولة في كل ما يتعلق بسكانها الفلسطينيين مواطني دولة إسرائيل.    

الرجوع إلى 1948

النشر.         لم يعرف الى يومنا هذا كيف تم تسريب الوثيقة بأكملها للإعلام. في الواقع, النشر في صحيفة "عال همشار", صحيفة حزب العمل المتحد, لم تكن المرة الأولى التي وصلت فيها مذكرة كينيغ للصحافة. فقد سبقتها بعدة أسابيع فقط مقالة صدرت في صحيفة "يديعوت أحرونوت" للكاتب إلياهو عميكم تحت عنوان "اليد وراء يوم الأرض" (23.7.1976), الذي لم يثر أي أصداء. اعتمد المقال أوساط عربية ويهودية "يد عالمة ببواطن الأمور" وعلى "تقارير داخلية قدمت الى المؤسسات المختصة", لكن في حقيقة الأمر كان المقال يستند الى وثيقة كينيغ وعلى محادثات مع مؤلف الوثيقة. ولكي يغطي بعض الآثار أقتبس من وثيقة كينيغ عدة مرات, لكن هذه المرة تحت عنوان "وثيقة داخلية عن إجراءات القائمة الشيوعية الجديدة (רק"ח), التي تم إرسالها إلى المؤسسات المؤهلة".  بمكان آخر تم الاقتباس وكأنه من وثيقة أخرى, "مذكرة قدمت لمؤسسة حكومية". مقالة عميكم كانت تستهدف الحزب الشيوعي الذي اعتبر ان ذاك الوريث السياسي للحاج أمين الحسيني, وتم التعرض له من خلال المقال كحزب ذو ميول قومية متطرفة. استهدف المقال أيضا بشكل مباشر رئيس بلدية الناصرة, توفيق زياد.

 سيناريوهات مرعبة.         بينما أدى الكشف عن وثيقة كينيغ الى ضجة إعلامية, مقالة عميكم لم تثر أي أصداء تذكر, واعتبرت مقالة أخرى تنضم الى سلسلة مقالات تعتمد على تسربات موجهة من "جهات أمنيه". لكن أهمية المقالة تكمن في أنها كانت عبارة عن تهيئات\خيالات جاءت من قلب "المؤسسة" – اخذت تتجسد بوضوح بفضل أجواء التكتم والسرية. ها هو, كينيغ يتنبأ من خلال مقالة عميكام, أن يوم الأرض سيتحول الى ثورة, يعني "أحداثا" لن يقف فيها الجيش الفلسطيني الذي انتظر طويلا, خلف الحدود. يأتي بعدها في السيناريو, دور الأشرار متمثلا: برئيس أمريكا – مطالبا باجتماع فوري لمجلس الأمن, ينتج عنه قرار استفتاء عام في منطقة الجليل. كما هو متوقع هذا السيناريو أعد من اجل اثارة المخاوف, حول الخطر الديموغرافي الداهم. فحسب معطيات وزارة الداخلية هناك ارتفاع في نسبة التكاثر الطبيعي في الوسط العربي, هذه المعطيات التي ليس بالهين الحصول عليها قادت الى مسئول لواء الشمال, كينغ نفسه! وزارة الداخلية على ما يبدو في تلك الفترة وفي فترات تلتها بدأت وزارة الداخلية بِعدِ اليهود والعرب. سيناريو هات مرعبة, أحولت أطفالا عرب, مزارعين يعملون بأرضهم مظاهرات واحتجاجات مشروعة إلى تهديد وجودي وأمني, حسب هذا السيناريو ليس العرب إلا عن تهديدا فعليا اكبر بكثير مما يبدو في واقع الأمر.

صور الناطقون باسم السلطات العربي كشيطان, فقط ليكون من الممكن دوما الرجوع للغة التهديد والوعيد: "الحشود العربية, مثل الحشود اليهودية, مثل كل الحشود, لا تفكر للمدى البعيد, لا ترى إلى أين ستقودها مراحل النضال", يقتبس عميكام. لكن عناك عرب, عرب جيدون, أذكياء, " يفهمون ذلك تحديدا", لأنهم "ربطوا مصيرهم بمصير دولة إسرائيل". ماذا يفهم هؤلاء العرب؟ ان الجمهور العربي على وشك الخسارة "خسارة كبيرة". بعدها, تتوقف لغة الرموز: "المسلك الجديد", أي النضال, "هل بإمكانه إعادة البلاد الى ما قبل 1948, ومن قد يكون راغبا بذلك؟"

إلياهو عميكام لم يكن الوحيد الذي نشر تهديدات "بالعودة إلى واقع ال 48" خلال سنوات السبعينيات. موشي دايان, الذي شغل منصب وزير خارجية في حكومة بيغين الأولى,هدد أيضا مواطني إسرائيل العرب, بأن "انجرارهم وراء تيار الإسلام المتعصب, سيكون وخيم العواقب, أي مشابها للذي حدث لهم إثناء حرب ال 48" (يديعوت أحرونوت, 24.1.1979). وهكذا منذ سنين وقبل محاولاتهم منع إحياء ذكرى النكبة, لوح بهذا التهديد الناطقين باسم السلطات مرة تلوها لأخرى, تحت كلمة الرمز "1948" لكي العرب داخل إسرائيل من النضال من أجل الحصول على حقوقهم.

من يمكن الاتكال عليه ويعرف "تدبير" العرب?

يمكن اعتبار نشر الوثيقة, كإحدى إفرازات لصراعات الداخلية بين أُطُر السلطة المختلفة, التي تنافست فيما بينها على المراقبة والسيطرة على سكان إسرائيل العرب. تتجلى العنصرية ضد العرب بكامل حلتها – كسلاح يستعمل داخل السلطة, في نطاق صراعات داخليه سلطويه. في الوثيقة يصور كينيغ نفسه كمن يقترح منهجا علميا منطقيا أمام منافسيه خبراء الشؤون العربية ("العربيستيم") الذين عينوا من اجل السيطرة على الجماهير العربية داخل إسرائيل والذين فشلوا بمهمتهم على ما يبدو لكونهم "عرباً".. .كان كينيغ يقصد هنا بشكل واضح وصريح اليهود الشرقيين, بالأخص المقربين من حزب العمل على مراحل تطوره المتعددة, والذين شغلوا مناصب مستشارين لشؤون العرب في ديوان رئيس الحكومة, كما وشغلوا أيضا مناصب قياديه في جهاز المخابرات, الحكم العسكري, وفي "لجنة الأمن المركزية", أي الجهاز الأعلى الذي يملك القرار الحاسم بكل ما يتعلق بسياسة السلطة اتجاه العرب. تجسدت المنافسة مع كينيغ في تلك الفترة على ما يبدو بشخصيتين هامتين هما شموئيل طوليدانو ورعنان كوهين, ا خيرة "الخبراء لشؤون العرب" في ماباي وحزب العمل.

قبل قيام الدولة كان كينيغ عضوا في ال"ليحي" ("عصابة شتيرن"), حيث كان يعمل حسب ادعائه, بـ"جمع المعلومات". في عام 1967 عُين َ مسئولا عن لواء الشمال خلفاً لافرام خلفون الاسباني الأصل, من سكان طبريا. حينها اعتبرت الصحافة هذا التعيين على انه "انتهاء حقبة " بسبب الفروقات بالأصل, الخلفية الحضارية والسياسية" بين الاثنين. كينيغ كان بولندي المَولد والنشأة كما وكان مقربا من حزب المافدال, وتم تعيينه قائم مقام لرئيس اللجنة المعينة بالناصرة, رغم معارضة خلفون لذلك. ومن ذلك الحين, انتشرت إشاعات تدّعي بأن التعيين هو خطوه أولى لشق الطريق لكينيغ لرئاسة لواء الشمال, ما حصل حينها فعلا على ارض الواقع.

كتب كينيغ في مقدمته, ان الذين تعاملوا مع العرب من قبل السلطة كانوا أكثر قربا "للعقلية العربية".ونادرا ما تمتعوا بـ"القدرة على التفكير والتنفيذ" بمستوى يعلو على المجتمع الذي تعاملوا معه. لم يفكروا "بموضوعية", لم يحافظوا على "تفكير ذاتي وقدرة على التحليل", عندما كان المجتمع العربي الذي هو "مجتمع مشرقي", على المحك. بناءا عليه لم يأخذ اليهود الشرقيون "الطابع العربي الشرق أوسطي والسطحي الغير عميق, الذي يغلب عليه الخيال بدل الواقع" بعين الاعتبار, بنظره كان اليهود الشرقيين يشبهون العرب بشكل كبير. كينيغ سيعرض بالوثيقة قدرته على التحليل والتفكير الموضوعي...

الوثيقة في الواقع

أثار نشر الوثيقة سبتمبر عام 1976 نقاشا عاما. حيث انه من النادر جدا ان يُماط اللثام عن المنطق الذي يكمن وراء إجراءات الدولة – في هذه الحالة, من تصريح عن مسئول كبير في الوزارة الداخلية. وكما جرت العادة في نقاشات من هذا النوع, أثارت الشعارات الفظة احتجاجات واستنكارات, لكن مضامين نهج السلطات تجاه العرب في إسرائيل كانت واضحة, حاسمة وغير قابل للمفاوضة.. وحقا لم يتم فصل إسرائيل كينيغ, وإنما استمر يشغل منصبه لسنين عدة.

استمر كينيغ بمحاولاته تنظيم اجتماعات مع رؤساء المجالس المحلية اليهودية في الجليل, تم بها كالعادة التحذير من ازدياد عدد المواطنين العرب في الجليل, من ظاهرة البناء الغير قانوني و من " السيطرة على الأراضي", لكنه لم يفلح باستقطاب شخصيات عربية ذات أهمية ودور من اجل دعم سياسة الحكومة . نجد بصمات أصابع كينيغ في كتابات عديدة ضد العرب نشرت بعدها بسنين عدة في الصحف; مثال التقرير الذي كتبه مئير هاروباني بجريدة "معريف" عن انتصارات الشيوعيين السياسية في الجليل وربطها بسياسة "الارتجال" من جهة السلطات و"غياب الفكر الشامل" – كلها مضامين مألوفة جدا بالإمكان إيجادها في وثيقة كينيغ. من بين سطور الوثيقة نستشف تحذيرا من "ثورة جماهير ضد الحكم", والتي تظهر بشكل جلي أيضا بالمقالة تماما كما سبق ووصفتة الوثيقة. أوهام كينيغ المتعلقة بالخراب الاقتصادي المتعمد, وجدت لها تعبيرا أيضا في المقالات التي نشرت في الصحف من دون ذِكر المصدر الذي اعتمدته ("هناك إصابات متعمدة بالعمل والصناعة في السوق المحلي وبالتأكيد في الأسواق الخارجية", تأليف يهودا اريئيل, جريدة "هأرتس", 16.8.1979).

الأهم من كل ما ذكر أعلاه, هو أنه تم تصديق وتطبيق معظم توصيات كينيغ. كتب كينيغ في أواخر فترة حكم حزب العمل; ان صعود حزب "الليكود" إلى الحكم أتاح لكينيغ الاستمرار في عمله, أي أتاح له الاستمرار في عمليات التحريض لنشطاء اليمين المتطرف, أمثال عضو الكنيست اوريئيل لين. في السنين التي تلت هذه الحقبة, كان بالإمكان أن نراه يُشرف من وراء الكواليس على إقامة المطلات في الجليل, التي توسع جزء كبير منها ليصبح كُتل من المستوطنات اليهودية على الأراضي المصادرة. وهكذا أفادت حينها الصحف المحلية كيف بدأت رؤية المطلات بالنمو والتطور لتصبح واقعا في منطقة سخنين. في افتتاح مستوطنات الجديدة في منطقة الجليل حضر نائب وزير الأمن, قائد الشباب المحارب الطلائعي, وكينيغ بنفسه (يوئيل در, صحيفة "دافار", 25.5.1980). الصحافة بدورها أيضا أعلنت عن اقتحامات قامت بها مصلحة الضرائب بالقرى العربية في إطار ما سُمي ان ذاك " حملة تعميق الجباية في الوسط العربي" تماما كم طلب كينيغ مذكرته.

 بالرغم من كون وثيقة كينيج غاية في السخافة إلا أنها مذكرة موثقة من الماضي, تعطي لمحة نادرة إلى أعماق دولة إسرائيل, إلى الأشخاص والقوات الذين خططوا دربها. هي جزء من التاريخ الذي لم ينته بعد, والذي ما زال معنا حتى اليوم لأننا لم ننجح في جعلها من الماضي.

بقلم: غادي الغازي

يسرائيل كينيغ / سري جدًا

مشروع

مقدمة

ישראל קניג

1. قبل مدة قصيرة جدًا من الزمن كان من المتعارف عليه عند الأوساط التي تهتم بهذا القسم من أهالي اسرائيل، ان تسليمه بقيام دولة إسرائيل كان تاما والقسم الأكبر منه كان في مراحل بعيدة من التماثل مع الدولة والاندماج في أجهزتها المختلفة. هذا على الأقل ما أوضحه «المعالجون» والقريبون من المراكز الاجتماعية للعرب، سكان الدولة ومواطنيها.

2. وفي الآونة الأخيرة حدثت بضع ظواهر هزت هذه الفرضيات ووضعت إخلاص قسم كبير منهم للدولة ومجرد وجودها أمام علامة سؤال فظيع.

ومع ان الشكوك في طريق التفكير والاهتمام بعرب إسرائيل أسمعت قبل سنوات لأسباب ستورد فيما بعد، لكنها كانت تتعارض والأفكار المسلّم بها عند العربيين (العربست في الأصل) ونامت. ويبدو لنا أن لا نقاش الآن، بل ان ثمة مكانا لإجراء بحث حول الأمور المسلم بها والتي كانت مجرد فرضيات أساسية حتى الآونة الأخيرة.

3. وعند قيام الدولة بقيت بقية العرب في البلاد دون زعامة.. فنشأت أقلية عليها أن تتكيف وواقع وجود الدولة اليهودية الغارقة في الحرب مع الأقطار المجاورة وتثبت قوتها ضدها.

والحكم العسكري، الذي وُضع تحت رعايته هذا الجمهور، دعم سلطة «الوجهاء» واندمج في بنية المجتمع العربي القائم على الحمولات العائلية. وأدى إلغاء الحكم العسكري إلى تزعزع صلاحيات «الوجهاء» والذين كانوا يمثلون العرب. ومكّن تزعزع ارتباط الفرد بالجهاز – الحكم العسكري – النشء الطالع من الشعور بالقوة التي آلت إليه في المجتمع الديمقراطي ولانتقال المجتمع العربي من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي مع كل ما يرتبط بهذا من الناحية الاجتماعية.

وأكثر من ذلك أرغم «تمرد» الجيل الناشئ الجيل القديم في كثير من الأحيان على الانضمام إلى معسكر المتمردين وكشف الدولة كهدف لنضالهم، لأن الوسائل التي تضمن تعلقهم بالمجتمع اليهودي بصورة حسنة ومجدية لم تكن قد أعدت. وأكثر من ذلك إننا شجعنا إسقاط النيّر بمحاولاتنا لكسب المتمردين إلى جانبنا «بوسائل» مختلفة.

ففي سنوات الخمسينيات كان المجتمع العربي مرتبطا بالاقتصاد اليهودي اقتصاديًا، الاقتصاد الذي فتح على مصراعيه أمام العرب مع الأيام، نتيجة هروب العمال اليدويين اليهود منه. وأنشأ هذا الوضع فئة اقتصادية مستقرة، اقتصاد الدولة ورتابة عمله مرتبطان بها إلى حد غير قليل.

4. وعند إلغاء الحكم العسكري نقلت الدولة الاهتمام بالعرب إلى أيدي متكلمين بالعربية، سحبوا عناصر العنف وتوجوهم زعماء، دعموا مراكزهم بقدرتهم على الحصول على مكاسب لأنفسهم والمقربين إليهم. وفعلوا ذلك متجاهلين القضايا الاجتماعية في المحيط العربي من جهة – وفي أثناء انعدام برنامج طويل المدى لإيجاد هوية مواطن عربي مخلص من جهة أخرى.

وكان العاملون في المحيط العربي في جميع المجالات: السياسي والعسكري والشرطوي والمدني دائمًا بمدى شبههم بالعقلية العربية، ولم تلاحظ فيهم دائما كفاءة التفكير أو كفاءة التنفيذ على مستوى يفوق الجمهور الذي يعنون به وبمصالحه، عوضًا عن المحافظة على مدى التفكير الذاتي والقدرة على تحليل الظواهر المقلقة من جهة ومحاولة معالجتها بتفكير موضوعي يضمن المصلحة اليهودية القومية على مدى بعيد من جهة ثانية.

5. ولواء الشمال حيث يتركز القسم الأكبر من عرب إسرائيل تؤكد مجاورته اليهود وتداخله معهم، وتثير بشكل واضح، القضايا التي نشأت والقضايا المتوقعة ان عاجلا أو آجلا. وإحدى أكثر الظواهر المقلقة هي فقدان اليهودي العادي روح التسامح مع المواطن العربي، وفي بعض الحالات يمكن رؤية الكراهية التي تجعل أي تحرّش سببًا لتصادمات لا يمكن ضبطها من الجانبين، وبوسعها أن تكون ذات اصداء سلبية في البلاد وخارجها خصوصا. (أنظر قرار منظمة الطلاب في حيفا بعدم القيام بالحراسة بسبب إعطاء الطلاب العرب إمكانية دفع بدل عن الحراسة).

وثمة محرك ذو قوة كبرى للترسبات العاطفية عند اليهود، هو اختلال التوازن الديمغرافي في هذه المناطق، الأمر الذي يحس به كل فرد ويسبب القلق.

وفي إطار هذه المذكرة نشير إلى عدد من المواضيع الحرجة مبرزين خلفيتها، وفي التلخيص – لتوصيات بحل القضايا.

أما المواضيع التي ستبحث:

أ. القضية الديمغرافية ومظاهر التطرف القومي العربي.

ب. الزعامة العربية وإبعادها.

ج. الاقتصاد والعمل.

د. التعليم.

هـ. فرض القانون.

أ. القضية الديمغرافية ومظاهر التطرف القومي العربي

ישראל קניג

1.  تزايد العرب الطبيعي في إسرائيل هو بنسبة 5,9% سنويا بينما تزايد اليهود الطبيعي هو 1,5% سنويا.

وتشتد هذه القضية بشكل خاص في اللواء الشمالي حيث الجمهور العربي كبير جدًا. فقد بلغ تعداد العرب في منتصف 1975 في اللواء الشمالي 250,000 نسمة بينما بلغ تعداد اليهود في اللواء 289,000. أما البحث في ذلك حسب الاقضية فيثبت ان العرب في الجليل الغربي يشكلون 67% من مجموع السكان، وفي قضاء مرج ابن عامر يشكل العرب 48% من مجموع الآهلين. وبينما ازداد عدد السكان اليهود 759 نسمة في اللواء الشمالي تزايد العرب 9035 نسمة.

وبحسب وتيرة التزايد هذه سيصبح العرب في 1978 يشكلون أكثر من 51% من سكان اللواء.

أما حس القوميين المتطرفين – وهذا تقديري عن الاهلين العرب – فهو ان تكاثرهم في الجليل يحمل في طياته خطرا على سيطرتنا ذاتها في المنطقة، ويفتح الطرق أمام قوات عسكرية من الشمال لتدخل إسرائيل. وهي مرتبطة بتصعيد المسيرة القومية المتطرفة بين عرب إسرائيل واستعدادهم للمساعدة في ذلك.

2. واستمد العرب الإسرائيليون دفعا قوميًا منذ حرب الأيام الستة.

فسياسة الاتصال الحر بالضفة والجسور المفتوحة أدت إلى تجديد الصلة بين عرب جبال القدس والسامرة والفلسطينيين في شرق الأردن وعرب إسرائيل، فسببت تكوّن قاعدة لرفع هاماتهم ولشعارات النضال القومي المتطرف في إسرائيل. وحظي هذا التوجه الذي لم يكن من المستطاع منعه، حظي بتسارع جديد بعد نتائج حرب يوم الغفران، وتعزز بعد الأحداث السياسية الدولية التي كان فحواها الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية حاملة لواء النضال في القضية الفلسطينية.

ونتذكر في الآونة الأخيرة قرارات الأمم المتحدة عن حدود إسرائيل في 1947، التي بموجبها لا تدخل أقسام لا يستهان بها من هذه المنطقة في دولة إسرائيل.

ولم يعد العربي الإسرائيلي صبورا فانتقل إلى التعبير القومي، ولو كلاما في هذه المرحلة، الأمر الذي تدل عليه بضع حوادث، البارز منها:

أ. عند زيارة رئيس الحكومة الناصرة قبل قرابة سنة.

ب. التفوه بشعارات التماثل مع م.ت.ف في مظاهرات الطلاب ومناسبات أخرى.

ج. موقف الطلاب العرب في الجامعات من موضوع الحراسة.

د. إعطاء طابع قومي متطرف للتصويت لانتخابات بلدية الناصرة في 9/12/1975.

هـ. التجند الفائق وغير المتوقع الذي قام به أهالي الناصرة لتصفية حساباتهم المتأخرة لبلدية الناصرة الأمر الذي يسهّل على « ركاح » [القائمة الشيوعية الجديدة = الحزب الشيوعي الإسرائيلي] في هذه المرحلة إدارة شؤون البلدة.

و. انعقاد اجتماع احتجاج في قرية سخنين في 14/2/1975 وفيه أعلن رئيس مجلس طمرة المحلي ان على إسرائيل ان تخشى عرب إسرائيل أكثر مما تخشى العرب خارج حدودها.

ز. القرارات التي اتخذت في اجتماع الناصرة في 6/3/1967:

1. إعلان الإضراب العام في إسرائيل يوما واحدا يسمى «إضراب يوم الأرض».

2. دعوة العرب ألا تكتفي بالاحتجاج السلبي بل «الاحتجاج بالنضال وإنهائه في نهاية المطاف فقط».

3. الإضراب عن الطعام على مدخل منظمة الأمم المتحدة على مثال الاحتجاج في قضية «أسرى صهيون».

4. الحكومة في بيت من زجاج وسنكون اول من يرميه بحجر ونهشم هذا البيت.

5. أقوال رئيس مجلس معليا المحلي – مسعد قسيس – الذي يُعتبر «ايجابيا»  وهو نائب سابق في قائمة مرتبطة بالمعراخ: «... ما هو الحق الأدبي للحكومة أن تقوم بالمصادرات في هذه المنطقة.. التي بموجب قرارات الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين سنة 1947 لم تدخل في إسرائيل».

وهذه الظاهرة جديدة نسبيا وتدل على رغبة قسم حاسم من العرب في التظاهر ضد الجهاز والحكم الإسرائيلي  حتى «بالجيب» – لظاهرة فظيعة جدا بالنسبة إلى تصرفهم في الماضي.

ويدل عهد انتصار الفلسطينيين في العالم ونجاحات القوميين المتطرفين في إسرائيل على مجرى المجابهة المكشوفة مع القضية العربية في إسرائيل، والتي ستزداد وتتصاعد ما دامت «ركاح» تحمل وحدها معارضة الجهاز ويجب ان نتذكر ان «إسرائيل» لا تظهر في اسم حزب «ركاح» (وليس هذا من قبيل المصادفة).

3. توقعات

أ. يُعطي تكاثر العرب (من 150,000 نسمة في سنة 1948 إلى أكثر من 430 ألف نسمة في 1975) التطرف القومي العربي الشعور بالقوة والأمل بأن الزمن يعمل لصالحه. وينطبق هذا القول على جزء من البلاد مثل الشمال حيث يوجد العرب بشكل قاطع وفي أماكن متقاربة وواسعة.

ب. ستخلق سيطرة «ركاح» على هيئات «تكاد تكون حكومية» مثل السلطات المحلية، ارضا مشروعة لنشاط قومي سياسي علني وسري، مع تبني الأساليب التي كان يتبعها اليهود «قبل قيام الدولة»، والأساليب الشيوعية المعروفة في العالم. واليوم، بالفعل، يوجد عدد من السلطات المحلية تحت سيطرة «ركاح»، وحسب رأينا انه، بناء على قرار مقصود، لا تستغل هذه لتلك الاغراض الآنفة الذكر لعدم توفر الملاكات الكافية للتنفيذ، ولعدم توفّر امكانات تنظيمية لذلك. ولذا فإن عدد الطلاب في أقطار شرقي اوروبا من قرى الشمال الذين تدعمهم «ركاح» بمنح دراسية في تزايد مستمر، وذلك، حسب رأينا لإعداد كوادر كالمذكورة أعلاه.

ج. وهناك شكوك جدية بأنه في خلال العقد المقبل ستتم السيطرة العربية ديمغرافيا وسياسيا على عكا ومنطقة الناصرة.

د. ويجب أن ناخذ بالحسبان انه في احدى مراحل النشاط السياسي المعادي للدولة ستثور بشكل من الأشكال مسألة اجراء استفتاء في الشمال حيث يشكل العرب الأكثرية.

وسيوجه هذا النشاط من الخارج ولكن حامليه قد يكونون يساريين قوميين من العرب في الدولة.

هـ. ومن الممكن في مرحلة معينة أن تقع استفزازات تخطط لها «ركاح» و/أو قوميون، لتسبب تفجر عناصر يهودية غير منضبطة – الأمر الذي قد يستدعي اثارة موضوع عرب إسرائيل في المجالات العالمية، وفي الوقت نفسه مناورات تقوم بها العناصر المعتدلة بين عرب اسرائيل، لتصل إلى وضع تضطر فيه إلى التماثل والخطوات المتطرفة في الدولة وخارجها.

و. ويلاحظ نشاط منظم لتملك العرب في المناطق الشمالية، عقارات. ويبرز هذا النشاط في الناصرة العليا وعكا ويثير القلق في مرج ابن عامر.

4. اقتراحات

أ. توسيع الاستيطان اليهودي وتعميقه في المناطق التي يبرز فيها تجمع العرب، وعددهم يزيد عن عدد اليهود وتفحص إمكانات تقليل التركز العربي الحالي.

ولا بد من تكريس اهتمام خاص بمناطق حدود الدولة الشمالية الغربية ومنطقة الناصرة. ويجب ان يكون التوجه ووتيرة التنفيذ خلافا للروتين الذي كان متبعا حتى الآن في هذه المواضيع. وبشكل مواز لهذا يجب تطبيق قوانين الدولة لتحديد «استيطان» العرب في أجزاء الدولة المختلفة.

ب. والاهتمام في الوقت نفسه والسعي لإيجاد قيادة يهودية قوية ومستقرة في الناصرة العليا وعكا يكون في وسعها مواجهة التطورات الحرجة المتوقعة.

ج. اتباع سياسة الاجر والجزاء (في إطار القانون) مع قادة وأماكن يبدون على أي وجه من الوجوه العداء للدولة والصهيونية.

د. ولسحب «أسبقية» حمل النضال القومي وتمثيل عرب إسرائيل من أيدي «ركاح» وللتفتيش عن الجالسين على «الجدار» يجب قيام حزب أخ لحزب العمل يكون التأكيد  فيه على أفكار المساواة والقيم الإنسانية والثقافة واللغة، وعلى النضال الإجتماعي ورفع علم السلام في المنطقة. وعلى المؤسسات أن تكون على استعداد ليكون وجودها وسيطرتها غير ظاهرين للعيان.

هـ. إجراء تنسيق تام وأكيد بين دوائر الحكومة والهستدروت والسلطات المحلية ولا سيما في مستوى التنفيذ في الساحة، والإصرار على تنفيذ ذلك بشكل صارم.

و. بذل كل جهد ممكن لاستدراج جميع الاحزاب الصهيونية إلى إجماع قومي حول موضوع عرب إسرائيل – لإخراجهم من الصراعات السياسية الداخلية.

ب. الزعامة العربية ومراميها

ישראל קניג

1. المجتمع اليهودي المفتوح الديمقراطي الذي وجد أنفسهم فيه العرب الذين بقوا في البلاد بعد قيام الدولة، لم يستوعبوا فيه سواء من حيث التفكير ولا من حيث العادات والتطور. واليهود الذين ولوا أمر هذا الجمهور، كان هدفهم جعل العرب مخلصين للمجتمع اليهودي الذي قام في الدولة، لم يوفقوا إلى ذلك. بل على العكس كانت دلائل واضحة على ان الإجراءات التي تمت كانت للمحافظة على بقائهم على مميزاتهم. وعزلتهم من جهة، ومحاولات لاستلفات الاهتمام الخاص ولاكتساب العطف والتفضيل من جهة أخرى.

ولكنهم مع ذلك كانوا يعلنون صباح مساء عن المساواة والدمج وما إلى ذلك.. غير أن أعمالهم كانت عكس ذلك. ولم تأخذ هذه السياسة بالحسبان الطابع العربي الشرقي السطحي غير المتعمق، وعمل الخيال الذي يتفوق على المنطق.

والتعبير المتطرف الصارم لهذه السياسة ذات التقييم الثنائي كان في «تتويج» ممثلين وزعماء لهذا الجمهور. ولا يوجد حتى اليوم شخصية عامة عربية «ايجابية» تم انتخابها على مستوى أكثر من محلي.

والمجتمع العربي الذي لا يزال في أوجاع الانتقال من المجتمع الزراعي، المتوطد منذ اجيال إلى مجتمع صناعي، والتحلل من إطاراته العائلية والدينية والاجتماعية، أضيف إلى إبعاد أوجاعه بعد التخبط القومي.

وهذا التخبط القومي فظيع يضع كل فرد أمام حسم، يكون في بعض الأحيان مصيريا. والمجتمع المنتقل مضطر في هذه المراحل إلى زعماء يكونون أمامه مثالا شخصيا يتصف بخصال ترد على تخبط المخلصين وتنقلهم بالطريق السوي إلى لحل المعقول العام والشخصي.

ولكن، كما ذكر في المقدمةـ لم يكن ذلك هو الاختبار للحصول على لقب «زعيم». بل العنيف والمتزلف، وليس دائمًا المستقيم يصبحون الممثلين وحاملي علم عرب إسرائيل.

2. أما الجيل الثاني الذي كبر في المجتمع الإسرائيلي ويحاول أن يعود نفسه، ولو سطحيًا فقط، على العادات الإسرائيلية، فلا يستطيع قبول هؤلاء الزعماء. وكان يمكن ملاحظة هذه الدلائل قبل عشر سنوات، وكان الواجب على اليهود المولّين على هذه الشؤون أن يبنوا شخصيات ترتضيها أفكار الجيل الثاني. ومخلصة مع ذلك للدولة. وحسب رأينا، فإن هذا التقصير سواء كان عن عدم الاقتدار أم مقصودا له نتائج حبلى بكارثة. كما أن أحد الدوافع إلى هذا التدهور اليوم هو القرف من هذه الزعامة (أنظر الانتخابات لبلدية الناصرة).

3. توقعات

أ. سيشتد الصراع بين أصحاب مختلف الألقاب وبين الجيل الثائر ويكون أساس اعتماد الأولين على الجهاز الحكومي والهستدروتي والحزبي.

ب. وستكون النتيجة ان الصراع على السيطرة واللقب سيتحول إلى نضال ضد الجهاز والدولة. عندما تنتقل الأكثرية باستمرار إلى تأييد الطرف الثائر.

ج. وستزيد العناصر المعادية للدولة استغلالها أشد استغلال لهذه الأزمة الاجتماعية، وتربطه بنضال وأصداء تستغل مختلف المنابر في البلاد وخارجها على أنه نضال اجتماعي وقومي.

د. وحسب تقديراتنا إذا استمر التدهور على الوتيرة الحالية فمستقبل»ركاح» أن تحظى بعشرة نواب في الانتخابات القريبة للكنيست.

4. اقتراحات

أ. يجب التصرف بجرأة واستبدال أكثر العاملين في المحيط العربي في الأجهزة الحكومية والشرطة والأحزاب، وبضمنهم مستوى مخططي السياسة.

ب. يجب  نفض القيادة «الزعامة» العربية الراهنة، الزعامة التي لا تمثل الجمهور العربي وتأكيد عدم تماثل الجهاز معها.

ج. وعلى الذين ستوضع في أيديهم هذه المهمة أن يبدؤوا فورا بتكوين وجوه جديدة ذات مستوى ثقافي واستقامة وذات براعة، ومساعدتها لإقامة حزب عربي كما أشير آنفًا.

د. تعيين طاقم خاص يحقق في سلوك قادة «ركاح» الشخصي وغيرهم من الشخصيات السلبية الأخرى. وإيصال المستمسكات إلى علم جمهور الناخبين.

هـ . اتخاذ تدابير فردية ضد أي شخصية سلبية على جميع المستويات.

ج. الاقتصاد والعمل

ישראל קניג

1. التطور والرخاء الاقتصادي اللذان عمّا سكان الدولة خلال سني وجودها لم يتخطيا العرب. بل على العكس فإن التحول بارز عند هذا الجمهور وذلك على ضوء الحقيقة انه بقي في الأساس أبناء فقراء الشعب ضمن حدود الدولة بعد هدوء معارك 1948/ 1949. والبون الشاسع بين العرض والطلب للأيدي العاملة في مختلف فروع الاقتصاد ولا سيما في فرع البناء والكراجات والأعمال اليدوية الأخرى، وما نشأ في كثير من الفروع من تعلق بهذه الأيدي العاملة، مد عرب إسرائيل بشعور القوة الذي استغلته العناصر المعادية والمعنيون بذلك.

2. ولقد ترك التعاون المتبادل الذي لا يزال مألوفًا حتى اليوم بين أبناء  العائلة، وعدم وجود المعرفة للاستثمار الإنتاجي على حجم فوق المتوسط، فائضًا من المبالغ النقدية في أيدي العرب. ويخفى هذا المبلغ عن سلطات الضرائب على أنواعها. ويجب التأكيد انه بينما يبلغ الجمهور العربي في إسرائيل قرابة 14%، وليس بين ظهرانيه «انعدام» قوة العمل بالخدمة العسكرية ثلاث سنوات، لا يزيد مجموع ما يدفعه من ضرائب على 1,5% فقط. وبهذا يضمن مستقبله الاقتصادي. كما أن لتركيبه من حيث الأعمار (نصف العرب شبان وعاملون) معنى هاما محسوسا ألا وهو: دخل كبير لجميع العائلة. ويجب إن نضيف إلى ذلك ما تدفعه الدولة من مخصصات (التأمين القومي) للعائلات التي يزيد عدد أولادها على اثنين (95% من العائلات العربية في إسرائيل).

3. والموضوع الذي يبرز بشكل خاص في منطقة الشمال، بسبب وجود التركز العربي الكبير فيه: المشاريع المقامة بتوظيفات هائلة من الدولة بهدف زيادة الجمهور اليهودي فيه يشغِّل فيها بالفعل عمال عرب على حجم يتراوح بين 25%-50%.

وهذا الاطمئنان الاجتماعي والاقتصادي يحرر الفرد والعائلة من القلق من المشاكل الاقتصادية ومن توقع الضغوط، ويتيح للعائلة عن وعي أو لا وعي فراغا للأفكار «الاجتماعية القومية المتطرفة »تغتنمه العناصر المعادية للإثارة ومختلف التذمرات، والشعور بالقوة وإمكانات الاحتجاج الشعبي.

4. توقعات

أ. تركيز الأموال ولا سيما الأسود منها، في أيد غير مرغوب بها، يقدر بمئات الملايين من الليرات، وبالإضافة إلى الضرر الاقتصادي الناجم عن ذلك فإن في وسع هذه الأموال أن تكون قاعدة لجمع تبرعات، قد يصبح ممكنا في المستقبل، على يد منظمات معادية (سبق وذكر حشد المدفوعات لبلدية الناصرة).

ب. ازدياد العمال العرب في المشاريع من شأنه أن يعجل في مسيرة التماحك بين اليهود والعرب ويتطور إلى حوادث لا يمكن ضبطها. وقد تتوافر الإمكانات لسيطرة «ركاح »على لجان العمال.

ج. بالسيطرة المحسوسة على بعض فروع الاقتصاد يمكن تعطيل العمل أو عدم التعاون وبذلك يتم الحاق الاضرار البالغة بالاقتصاد ولا سيما الاضرار السياسية بإبراز وزنهم في اقتصاد البلاد.

د. مصاعب متزايدة باستمرار أمام استيعاب المستخدمين اليهود، وخصوصا في الشمال، حيث يوجد اهتمام خاص لزيادة اليهود على مختلف أنواعهم.

5. اقتراحات

أ. يجب تعيين إجراءات معقولة مع إدارة كل مشروع يحمل إشارة «قانون استثمار رؤوس الأموال» في المناطق الحساسة (كما ذكر آنفا) فلا يزيد عدد المشغلين العرب على 20%.

ب. على سلطات الضريبة ان تتخذ إجراءات فورية لتعميق جباية الضرائب وتنفيذها بصراحة وبدون أي انحراف.

ج. التوصل إلى تسوية مع عناصر مركزية في التسويق في مختلف أنواع الحاجيات بشكل يحيد ويصعب على الوكلاء العرب في منطقة الشمال بشكل خاص، لمنع ارتباط اليهود بهؤلاء الوكلاء ولا سيما في حالات الطوارئ..

د. على الحكومة أن تجد الطريق لتحييد إعطاء المنح للعائلات متعددة الأولاد من العرب إما بربطها بالوضع الاقتصادي أو بإخراج هذه المنح من نطاق عمل التأمين القومي إلى الوكالة اليهودية أو الجمعية الصهيونية فتكون مخصصة لليهود فقط.

هـ. العمل بشكل يسبب للمؤسسات المركزية ان تهتم بتفضيل الإطارات اليهودية أو الأفراد اليهود على العرب.

د. التعليم

ישראל קניג

1. كان التغيير البارز والحاسم في مجموع مفاهيم وتصرف العرب نتيجة تعمق جهاز التعليم بينهم واتساعه.

دفع تحسن الوضع الاقتصادي والاطمئنان الاجتماعي لدى الفرد والعائلة، جمهورا كبيرا من التلاميذ العرب إلى المدارس الثانوية ومعاهد الدراسة العليا. وعجل في ذلك إتباع أسلوب الأجور المدرج (66%) في المدارس الثانوية. واوجدت المساعدات المالية وسياسة المنح لتلاميذ الجامعات حقيقة هي أن جمهورا ذا ثقافة ولو سطحية يشكل خميرة كل حركة قومية ولا سيما في أوضاع عرب إسرائيل، والوضع بالفعل هكذا (أنظر ما يحدث في الجامعات). كان من المفروض على المكلفين بمعالجة الأمور في هذا القطاع أن يتوقعوا هذه الإمكانات، والواجب أن يخطط من الآن فصاعدًا بدقة للتنسيق بين مختلف الأجهزة والأعمال التي يجب القيام بها نحو جمهور المتخرجين على أنواعهم.

2. تعيين مقاييس الأفضلية (علامات منخفضة) عند قبول التلاميذ العرب في المدارس فوق المتوسطة على مختلف أنواعها والمواضيع التي وجهوا إليها (العلوم الفكرية، والسياسية والاجتماع) وعدم وجود الاهتمام بالخريجين والإمكانات لاستيعابهم استيعابا كاملا في العمل، أوجد جمهورا كبيرا من «المثقفين» المستلبين تدفعهم ضرورة نفسية للتنفيس عن أنفسهم، فيكون تعبيرهم ضد الجهاز الإسرائيلي  والدولة.

ومحيط القضية فظيع، لا سيما إذا أخذنا بالحسبان أن عدد الخريجين يبلغ حوالي 5700 وأكثر، ويتعلم اليوم 2500 طالب في المدارس العليا.

3. توقعات

أ. بسبب الصعوبة الموضوعية للاعتراف بالانحطاط المهني سيزداد ويتعمق شعور الاستلاب وسيزداد عدد المستلبين ويتصاعد.

ب. وإذا أخذنا بالحسبان الخلق الشرقي، فسينتقل هذا الشعور بدافع الدينامية الاجتماعية من الكبت الداخلي إلى التعابير الخارجية ويجب عدم تجاهل إمكانات التنظيم والانتقال إلى العنف. والبراعم الأولى موجودة فعلا.

ج. رفع علم النضال الاجتماعي والقومي والتماثل العلني مع م.ت.ف. ومع منظمات أكثر تطرفا.

د. هناك إمكانات معقولة للنجاح في عدد من الزعماء مع الأخذ بالحسبان أنهم أبناء المجتمع المحلي التقدمي، وكبروا فيه ولا ريب انه سيوجد بينهم موهوبون بصفاف الزعامة.

هـ. ويجب عدم تجاهل الصعوبات التي ستنشأ أمام الحكومة عند الاهتمام بهم في حالات حرجة بسبب مستواهم الشخصي.

4. اقتراحات

أ. يجب التقيد بأقيسة موحدة كما لليهود عند قبول الطلاب للمدارس العليا وكذلك عند تقديم المنح المالية.

والمحافظة على هذه القواعد ستوجد نخبة طبيعية ومعقولة، وتقلل من الناحية المحسوسة عدد الطلاب.. ويقل بهذا عدد المتخرجين ذوي المستوى المنخفض. وهذه الحقيقة تسهل استيعابهم في العمل بعد الانتهاء من دراستهم.

ب. تشجيع توجيه التلاميذ إلى المهن التقنية الدقيقة والعلوم الطبيعية. فهذه المواضيع تترك وقتا أقل للانشغال بالقومية والانقطاع عنها أكثر منه في المواضيع الأخرى.

ج. تسهيل السفر إلى الخارج لأغراض التعليم والتصعيب عند الرجوع وعند تسجيلهم للعمل – هذه السياسة من شانها أن تشجعهم على الهجرة.

د. إتخاذ إجراءات مشددة على مختلف المستويات ضد المحرضين في المدارس العليا.

هـ. الإعداد مقدما لإمكانات استيعاب القسم الأكبر من المتخرجين وفقا لكفاءاتهم. وهذه السياسة ممكنة التنفيذ على ضوء مهلة (بضع سنوات) تعطى للمنفذين لتخطيط خطاهم.

هـ. تطبيق القانون

ישראל קניג

1. يعبر استتباب القانون وتطبيق الحكم له عن المصلحة العامة  في المجتمع وتفضيلها عن قضية الفرد. وفي الموضوع الذي هو قيد البحث فالمحافظة على الأمن الداخلي وكل ما يترتب عن ذلك لمصلحة قومية ويهودية عامة عليا.

وتطبيق قوانين الدولة في مجتمع هو في طور التكوين مثل مجتمع إسرائيل، قضية في حلها يجب اتباع المرونة والحذر والتفهم الكبير. ولكن مقابل ذلك على السلطة المنفذة والمهتمة بالقطاع العربي أن تجعل استتباب القوانين وتطبيقها محسوسًا بغية منع التدهور.

فقد ذكرت آنفا الطرق التي عولج بها هذا الجمهور والتقييم الثنائي الذي استولى على هذه العملية. وثمة بين العرب ادراك، قائم على حقائق، بأنه يمكن تجاوز القانون في الدولة بوساطة علاقات حسنة، مع الأشخاص المناسبين. وهنا بالإضافة إلى الضرر العام في هذه التصرفات فإنها في نظر العرب علامات ضعف في الحكم، إذ باستمرار الضغط تمكن تنازلات أخرى (والنماذج على هذا كثيرة).

2. من الصعب الحصول على تفسير معقول لضآلة نسبة تحصيل الضرائب على مختلف أنواعها من الجمهور العربي عن ما يحصّل من الجمهور اليهودي. وكذلك الوضع في البناء غير القانوني الذي من شأن عدم اخذ القانون مجراه بالنسبة إليه، ان يسبب أضرارا فظيعة جدا على الأمن في داخل مناطق محسوسة في الشمال وفي مركز البلاد.

ويجب ان نتذكر ونتعلم من تجربة دول أخرى تقييم فيها أقليات قومية. بأن التسامح المفرط غير المنضبط، لا يوصل إلى الأهداف التي يسعى إليها واضعوها، بل على العكس. وبشكل خاص تسري هذه القاعدة فيما يتعلق بجمهور مثل الأقلية العربية في إسرائيل. (كما فُصّل آنفًا).

3. توقعات

أ. في المجتمع  المبني وفق القانون، في أعقاب عدم استتبابه علنا، تنشأ دينامية من الاخلال به يتطلب منع انجرافها جهودا كبيرة فيما بعد.

ب. ولا بد من إعطاء الرأي عن احتمال انه مع مرور الزمن يؤيد الكثير من اليهود، عن دوافع مختلفة، السكان المحليين بالقوانين، وسيصمون الحكم «بالقمع» حين يحاول فرض القانون.

ج. ويجب عدم الاغضاء عن نسبة الجمهور العربي – 14% – إذ من شان الإخلال بالقانون أن يأخذ شكل «تمرد» .

د. وقد تستغل عناصر معادية في داخل الدولة وخارجها تطبيق قوانين امتنعت السلطات عن تطبيقها خلال زمن طويل، على زعم ان ذلك اضطهاد قومي وما إلى ذلك.

4. اقتراحات

أ. يجب أن يوضح للعاملين في المحيط العربي ألا يغضوا الطرف عن الإخلال بالقوانين ويجب التشديد على تطبيقها حسب منطوقها.

ب. إتخاذ الإجراءات القضائية  مع موظفي الدولة والهيئات الأخرى، الذين لا يؤدون واجباتهم في تنفيذ تعليمات القوانين.

ج. رفع الدعاوى وتنفيذ عدد من الأحكام ولا سيما في ما يتعلق بضريبة الدخل والبناء غير المرخص لتردع الجمهور عن كل تفكير بإمكان التملص من أذرع القانون.

د. زيادة وجود قوات الشرطة والأمن على مختلف أنواعها في المحيط العربي، لردع الأوساط المتطرفة و«الجالسين على الجدار» الذين قد ينجرون إلى أعمال التمرد والمظاهرات.

1/3/1976

بعد 30 آذار: اقتراح رقم 2

ישראל קניג

1. استمرارًا لمذكرتي السابقة وعلى ضوء التطورات وأحداث يوم الثلاثين من آذار وبعده، من المناسب تحليلها وتقويمها والخروج بتوقعات محتملة الوقوع في المستقبل، وبعدد من المقترحات من المستحسن تحقيقها مبكرًا.

ان نجاح الإضراب نجاحا تاما في القطاع العربي لحقيقة يجب تدارسها وقبولها كمعطيات ونقطة انطلاف لكل بحث في الموضوع.

كان لنجاح الإضراب وشموله عدة عوامل يجب التوقف عندها:

أ. ليس ثمة أي إمكان لمعرفة نسبة أو عدد العرب الذين داوموا على العمل خارج أماكن سكنهم.. ولكن في القرى العربية والمدينتين اللتين يتركز فيهما الجمهور العربي كان الإضراب شاملا.

ب. سيطرة منظمي الإضراب على المؤسسات التعليمية على مختلف أنواعها وبضمنها المؤسسات الكنسية كانت تامة.

ج. بدأت حملة الإقناع بضرورة الإضراب من عناصر «رسمية» ، ورؤساء سلطات محلية وشخصيات عامة يوصفون عادة بأنهم معتدلون ومتعاونون مع الجهاز الإسرائيلي. ويجب أن نقرر ان هذه الأوساط دخلت العملية بعدما كانت تحت الانطباع ان عناصر عالية المقام في الوظائف الحكومية تقف إلى جانبهم وان «تدخل»  العرب سيقنع الحكومة بالعدول عن المصادرة. وفي نشاطهم هذا تباروا بعبارات متطرفة عن اعتقاد ان النجاح سيعزى لصالح من يكثر الصياح.

د. وفي مرحلة متأخرة، وبعد ان تأكدت القيادة العربية الرسمية – إقرأها رؤساء المجالس العربية وغيرها – من خطأها، لم تستطع التراجع عنه لأن التدهور الذي سببته كان يجرها. والمحاولات اليهودية لسد الثغرة لم تمنع الإضراب سببت في الجمهور العربي الاستنكار وأوجدت تمزقا عميقا بينه وبين من انتخبهم لمجرد الإضراب والأحداث التي صحبته.

هـ. شن منظمو الإضراب حملة تخويف شديدة بلغت حد استعمال العنف مع اولئك الذين يخرقون الإضراب وهذا كان له مفعوله. ووعود الجهاز بان الحماية التامة ستتوفر لكل من يشذ عن الإضراب لم تكن موثوقة وامتنع الاهلون عن الاعتماد عليها.

2. على الرغم من الحقيقة ان الإضراب وكل ما سبقه وصحبه صمم ونظم على يد «ركاح» ، حرص الحزب ألا يظهر في ذلك، لكي يأخذ بين يديه بالفعل القيادة القومية بين عرب إسرائيل.

ويجب الالتفات إلى هذه الخطوة وتفحص دوافعها ومركباتها:

أ. حركة م.ت.ف. التي تشكل حركة التحرر القومي لعرب فلسطين لم تنقش على علمها تطلعات اجتماعية، وباستثناء شق صغير هامشي – جماعة جورج حبش – لا يوجد من ينظر إلى هذه المواضيع نظرة جدية أو من يعلنها.

ب. إرسال جماهير غير أعضاء في الحزب للمجابهة العلنية والعنيفة مع قوات الأمن والتسبب بوقوع حد أعلى من المتضررين من بين الجماهير، بغية خلق شعور بالكراهية والانتقام في الجمهور وخلق التوتر في جانب الحكم إزاء الجمهور العادي.

ج. والمسار الكلاسيكي المتبع في حركات التحرر في آسيا وأفريقيا هو ربط النضال القومي بالنضال الاجتماعي الأمر الذي يساعد على تجنيد الجماهير في أغراض النضال والرأي العام المتعاطف. وواضح أن دولا ودولة عظمى ذات اتجاهات معينة تجد نفسها متدخلة، ولو دعائيا فقط، في كل نضال يجري تحت هذه الشعارات.

وعلى ضوء ما تقدم يجب التوجه بجدية بالغة إلى الخطوات المذكورة آنفا والى الظواهر التي قد تنجم من نشوء تماثل مع ذلك في الرأي العام العالمي وفي أوساط العرب. لذلك، حسب رأيي، تستمر «ركاح» على ذلك ولا سيما تحت ستار قومي.

3. يجب أن تبرز عدة إنجازات عامة للقومية العربية المتعصبة التي توجهها «ركاح» نتيجة «يوم الأرض»، والشغب الذي سبقه والأحداث التي جرت في أثنائه:

أ. نشأ لأول مرة منذ قيام الدولة وضع تماثل فيه جميع العرب عن وعي وعلنا، وخلافا لطلب الحكومة مع مطلب سياسي قومي عربي متطرف واستعدوا نفسيا للأعمال وتحقيقها. وأكثر من ذلك فان معظم أجزاء الجمهور العربي بررت وتبرر أعمال المشاغبين والمعتدين على قوات الأمن وتتوافق وإياهم في ذلك علنا وتعلن ذلك.

ب. كان العدد الكبير من السلطات المحلية وقادتها بمثابة وسائل وأجهزة لتطوير وإدارة النضال، وحتى أولئك الرؤساء الذين لم ينضموا إلى المتطرفين في  المرحلة الأخيرة نتيجة للضغوط عليهم، لم يعلنوا معارضتهم للإضراب بل طلبوا تأجيله إلى حين ليستعملوه وسيلة ضغط على الحكومة بالتهديد بإعلانه.

ج. ونجح القوميون المتطرفون و«ركاح» في تحريض الجماهير وإقحامها في النضال العنيف مع قوات الأمن – الاصطدامات التي خلفت رواسب عميقة فظيعة  وستبقى لمدة طويلة. وتدل على التخطيط المصمم حقيقة هي انه على الرغم من الانفعال الذي استولى على الجماهير، نجح المخططون في أن يخرجوا من الصراع العنيف المنظمين للمحافظة على سلامتهم الجسمية وفي وجه الاعتقالات التي جرت بعد التصادم.

د. وأعمال العنف العلني، مع كل نتائجها الوخيمة التي انجرت على العرب، ملأتهم افتخارًا ورفعت قاماتهم. انهم يعتزون بأنهم توفرت فيهم الجرأة ليشتبكوا مع قوات الدولة الرسمية. ويجب ألا ننسى ان أحساساً كهذا في جمهور مثل جمهور عرب إسرائيل، وفي جو مثل الجو الذي يخيم عليهم لذو إمكانات كبيرة أمام الدعاة المحترفين الذين هدفهم «أن يعيدوا انتصاب القامة العربية بعد ذلها» بين عرب إسرائيل.

هـ. برزت القوة السياسية في أيدي القومية العربية المتطرفة، التي تبرزها بالفعل «ركاح» لاحتياجاتها واحتياجات نضالها السياسي في المستقبل كما جاء آنفاً.

و. نحّى الإضراب وأعمال العنف إلى الهامش ذلك الجزء العربي من الجهاز (المنتخبين) ورؤساء السلطات المحلية الذين لم ينضموا إلى الإضراب أو اقترحوا تأجيله، لأن الإضراب تم بأكمله خلافا لقرارهم في اجتماع شفاعمرو. وهكذا اسلم الجمهور العربي النشيط، ولا سيما الشبان فيه، إلى أيدي «ركاح» ودعاتها القوميين المتعصبين.

ولعل هنا المكان لاثارة التفكير فيما إذا كان من الحكمة السياسية على المدى الطويل ان يضغط على رؤساء السلطات المحلية في اجتماع شفاعمرو كي يتصرفوا كما تصرفوا. يجب بالتأكيد البحث في هذا الموضوع واتخاذ القرارات  المناسبة. وأنه لكسب تاريخي للمنظمين ولما يمثلون ألا وهو وحدة العرب الأكيدة التي تم الوصول إليها بتنفيذ «يوم الأرض» والشرخ العميق الذي استطاعوا ان يوجدوه نتيجة لذلك بين الجمهور اليهودي والجمهور العربي. وكان لهذا الشرخ وسيكون له في المستقبل دلائل محزنة عند اليهود والعرب على السواء، ولا شك في ان عاملاً معاديًا سيستغله جيدًا.

ز. وترك الإضراب انطباعا ليس بالقليل على المشاريع والهيئات والخدمات بإثباته الارتباط في إدارة الاقتصاد إدارة حسنة بالأيدي العربية العاملة، وفي الوقت نفسه ثبت للجمهور العربي حيويته بالنسبة للاقتصاد الذي يديره  اليهود. وهذه الحقيقة تستغل وستستغل في «رفع القامات العربية» التي على عرب إسرائيل ان يستعملوها ويستغلوها.

4. توقعات

أ. تترك الأوضاع والمعطيات التي تكونت في «يوم الأرض» وبعده في أيدي «ركاح» والقوميين المتطرفين إمكانات كبيرة لإحداث اضطرابات في الدولة وخلق عدم الهدوء والتوتر الطائفي. ويبدو من المؤكد انه ستكون عودة إلى استعمال نفس التكتيك ونفس الشعارات لاذكاء الجماهير ودفعها إلى الشارع كلما قررت العناصر المقررة ذلك.

ب. ستتعمق وتتسع حملة التخويف وتبلغ درجة التهديد واستعمال العنف مع العرب الذين يتعاونون مع السلطة لغرض إسكات كل مقاومة أو إسماع أصوات معتدلة.

ج. على ضوء الاصداء بعد الأحداث الأخيرة في الوسط العربي خرجت الجماهير العربية إلى الشوارع لهدف واضح: التصادم مع قوات الأمن وزيادة عدد المواطنين العرب المتضررين، في هدف اثارة روح النقمة على قوات الأمن وخلق أصداء في العالم عن عدم الاستقرار المستولي على إسرائيل واضطهاد  السلطات الإسرائيلية المحتلة للآهلين العرب.

د. وستزيد هذه الاصطدامات من شعور التعاطف مع المتضررين من عرب إسرائيل، وتنشأ بذلك وسائل التسرب إلى أوساط لا تزال لأسباب مختلفة تتردد في الانضمام إلى الجانب المناضل.

وعموما ستسبب تسارعا في تدهور الوضع. ويجب إبراز ان نظرية هذه الأوساط هي ان الوضع القائم ليس في صالح عرب إسرائيل وفقط في حالة عدم الهدوء العام في الدولة تكمن إمكانات التغيير وعلى المدى الطويل أو البادي للعيان، وانحلال إسرائيل من الداخل و(فلسطنة) الدولة.

هـ. يجب الخروج من الفرضية الأكيدة وهي ان م.ت.ف. أو أي جزء من مكوناتها ستدرس هذه الأعمال المتطرفة على الرغم من أن تطبيقها سيكون على يد «راكح» – عندما يحرك النشيطون فيها بالخيوط وهم واقفون في الظل. وسيقع جل عبء امتصاص هذا النشاط على القوميين العرب في إسرائيل ولا سيما المثقفين المتشوقين لإثبات «عروبتهم» واستعدادهم للنضال في وجه الحكم الإسرائيلي.

و. والشرخ الذي أوجدته الأحداث الأخيرة بين الجمهور اليهودي والجمهور العربي سيستغل بأكمله وسيبذل كل جهد لتعميقه وتوسيعه. ويجب ان يؤخذ بالحسبان انه لبلوغ هذا الهدف ستجري أعمال استفزازية من كل نوع ممكن من اضرابات وعنف وحتى استعمال التخريب. وحسب رأيي ان استعمال السلاح الناري في الاصطدامات الجماهيرية المقبلة سيكون أوسع وذلك لإيجاد مؤثرات حرجة لتزيد الشرخ المذكور.

ز. ومن المتوقع ان تتتوفر إمكانية نشوء هيئة قومية ذات «توجه» غربي لاكتساب عطف الدول والأوساط المناهضة لليسار في البلدان الخارجية.

ح. ستزداد السيطرة على السلطات المحلية والتسرب إليها لاستغلالها لأغراض الدعاية، والتستر والتمويل والتمثيل الواسع. وأثبتت هذه الوسيلة جدواها في «يوم الأرض» لتنفيذ الهدف الآنف الذكر.

5. على ضوء التدهور السريع والمتوقع والذي فصّل في المذكرة السابقة وفي هذه المذكرة أقترح:

أ. إقامة جهاز بسرعة شأنه التفكير ليقترح على الأوساط المقررة في المشاريع العملية التالية:

1. على المدى السريع.

2. على المدى المتوسط.

3. على المدى الطويل.

ب. يجب ان تقام حالا لجنة خاصة للتنسيق بين الوزارات على درجة مديري وزارات يقودها وزير تعينه لهذا الغرض الحكومة يقف إلى جانبه مستشار رئيس الحكومة للشؤون العربية.

ج. وعلى ضوء الحقيقة ان وزارة الداخلية هي أنبوب الاتصال الرسمي والعملي المركزي بالمؤسسات الرسمية والمنتخبة بين العرب يقترح ان يقف في رأس لجنة التنسيق المؤلفة من مديري الوزارات مدير وزارة الداخلية.


 

  • ترجمة عن صحيفة  «عل همشمار»: ع.ع. الجديد – شهرية الريادة الثقافية، العدد 10 (1976).
  • صور: ريوتشي إركوا