جلستْ تشربُ قهوتها العربيةَ
الشرفةُ في الصبحِ صعودًا
إلى متعةِ الحسِّ
تقولُ: القهوةُ صحوةُ عقلٍ.
بغريزتهِ العربيّةِ يفهمُ تأثير الهال على الأعصابْ
يسمعُ أخبارَ التاسعةِ
وينهضُ مكتئبًا
العبريةُ لغةُ المنفى والواقع والأحداث والقرارات المنفّذة.
والعربيةُ لا تزال تُهزمُ في صوت الزعماء
وساحات الحربِ
وفي كتبِ التاريخ المعاصرِ
وفي غرف المفاوضاتِ الخلفيّة.
لكنها تنتصرُ في الأغاني وفي أصواتِ الشعراء داخل مجالها اللغوي.
العربية عشيقةٌ غير شرعية للعربي داخل الخط الذي لا أعرف لماذا
يسمّى أخضر.
والعربية ليست اللغة التي تجمعه مع نوريت.
ونوريت, شابّةٌ جميلةٌ لا تشبهُ الجنودَ على الحواجز
لا تكرهُ الأغيار
تحبُّ جيفارا
لا تبالي بصورة عرفات المعلقة
على الحائط
تطرب لصوت فيروز
دون أن تفهمها
وهي لا تشبهُ الجنود الذاهبين إلى الشمال
من الجنوب, وإلى الجنوب من الشمال
على صهوة الاستعلاء وشهوة كسر أنف الآخرين إذا ارتفع
فوق حذائهم العالي.
ونوريت ليس لها علاقة بهؤلاء, فهي قابلةٌ أن تحبَ الآخر,
يترجمُ لها سطرًا من كتابٍ لمحمود درويش
ويتركُ المتنبي وشأنهُ, فذلك التاريخُ بعيدٌ
عن حيفا الضائعة بين الحاضرِ والمنفى
نوريت تحبهُ لأنه "لا يشبهُ العرب"
فالشعر الأشقرُ مقبولٌ في قاموس الانفتاح
نحو العربي,
ولونهُ الفاتحُ يفتحُ إمكانات الحوار ويقرّبُ من وجهاتِ النظر.
ولونها القمحاوي المائل إلى السمرة
يترك مكانًا للقول أحياناً إن الخلاف ليس إلا سياسيًا مؤقّتًا.
هيَ ليستْ مسألة خلافٍ إيديولوجي مع الآخرين الذين لا يشبهونه تمامًا, بقدر ما هو خلافٌ
حول نوع الموسيقى وتسريحةِ الشعر, ودقةِ العبرية المباركة.
نوريت تحبُّ شكلهُ وعطرهُ وذوقهُ وطريقتهُ بالتقبيل
وتصغي بتفهم لآرائهِ التي تُناقض كتبها المدرسية
ولا تكرهُ أبطالهُ من شعراءٍ وسياسيين وثوريين,
لكنها تدير وجهها عنه وعن صوره وكتبه وموسيقاه, حين يعترف أنه عربي,
وفلسطينيٌ, وله نشيده ورموزه وإخوة سيعودون يومًا, فله ولهم حقٌ في البلاد.
لكنها تحبهٌُ لأنه يشبهها حين يصبُّ الويسكي مع الثلج, والجين مع الليمون ويستمع إلى
الرولينغ ستونس والبينك فلويد وحتى إلى شلومو أرتسي, وهو من عرّفها إلى ناتان زاخ
ويشعياهو ليفوفبتش وأ.ب يوشوع, وهو يلبس بأناقة ويشعل سيجاره بأسلوب العارف
وينفخ الدخان بثقة أبطال السينما, هو بنظرها ليس عربيًا تماماً.
وهو يحبها لأنها تشبهه حين تبكي وحين تضحك وحين يلمع الحبّ في عينيها
الغامقتين, وحين تشربُ قهوته العربية صباحًا, والشاي بالنعناع والمارمية مساءً.
ولأنها لا تشبه الجنود والسياسيين ولا تنتمي كثيرًا إلى قصص التوراة.
وهي بنظره ليست يهوديةً تمامًا.