خططت للكتابة في عدد اليوم عن موضوع اجتماعي بحت يتعلق بحالتنا كمجتمع، الا أني في ظل الأمور الراهنة اجد ان هناك ما يقلقني، بشكل أكبر، على صعيدين اجد بينهما رباطا على الرغم من انه يبدو ظاهريا أن لا شيء يربط بينهما، وأعني غزة والنقب.
ويضاف الى ذلك ما يحدث على الحدود السورية والتصعيد المفتعل من الجانب الاسرائيلي، بعد سقوط قذيفة سورية، نتيجة خطأ، في أراضي الجولان المحتل.
ما القصد من وراء كل هذا القتل والعنف وافتعال القتال والحرب وما يفصلنا عن الانتخابات إلا القليل من الوقت؟ ولماذا يتم رفع وتيرة العنف ضد عرب النقب، بشكل خاص عشية الانتخابات البرلمانية؟
هل تفتش هذه الحكومة عن الحرب والعنف والدمار في اطار سعيها للبقاء على سدة الحكم ومحاولة حرف أنظار الرأي العام عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية الملحة، ام هي محاولة لادخال المواطنين في حالة رعب من الغول الامني، وبالتالي حرمانهم من امكانية اتخاذ القرار في الانتخابات لصالح احزاب تدعم اجندات غير حربية؟
بعد صيف 2011 وخروج الجمهور الإسرائيلي بآلافه إلى الشوارع مطالبا الحكومة يتغير سياستها ألاقتصادية والعمل على إدخال الحق بالمسكن والعيش الكريم على في أجندتها، دخلت الحكومة في حالة من الارتباك امام المطلب الواضح باسقاط الحكومة. ولم يجد المثلث المأفون، نتنياهو، ليبرمان وبراك، في يحنه من طريقة يخففون فيها غضب الشارع، الا التلويح بشبح الحرب وفزاعة الامن التي ادعوا انها تكمن في "الخطر الايراني". وبعد ان كادت الحكومة تسقط، وعالجها موفاز بحقنة مسكن مؤقتة، تمكنت حكومة هذا الثلاثي من الصمود لثلاثة أشهر أخرى، عجزت بعدها عن الاستمرار في ظل فشلها بتمرير ميزانية تستقطب كافة اطراف الحكومة. ومع تعيين موعد الانتخابات، صعد هذا الثلاثي من لهجته الحربية ضد ايران، وأمام فشله بجر الادارة الامريكية الى حرب كان يمكن ان تدمر الشرق الأوسط كله، نقل طبول الحرب الى الجبهة الجنوبية، ليشن حربا على غزة، في مخطط واضح يستهدف تحييد القضايا الاجتماعية والاقتصادية عن جدول الاعمال اليومي، ومغازله سكان جنوبي البلاد من خلال محاولة ابراز للعضلات "تثبت" لهم ان حكومة برئاسته فقط تستطيع إركاع غزه.
في الاحوال العادية، وقت الانتخابات، تأتي الدعاية الانتخابية بهدف منح المواطن فرصة اختيار مرشحه الذي يعتقد أن في مقدرته تحسين اوضاعه الاقتصادية والاجتماعية. ولكن للحكومة كما يبدو، رأي آخر، فهي تلجأ إلى التلويح بالخطر الامني المحيط بالدولة واظهاره كالفزاعة كي لا تجعل المواطن يحتكم الى ضميره ولا تترك له فرصة لاختيار حزب اخر غير اليمين المتطرف المتمثل بحكومة لبيرنياهو..
والغريب ان بعض الاحزاب التي تطرح نفسها بديلا لهذا النهج، تلجأ الى الاسلوب ذاته، فهذا موفاز يعرض علينا في حملته الانتخابية صورة لفطرية نووية كي يقنعنا بأن نتنياهو يشكل خطرا على الدولة، وتلك يحيموفيتش تنافس الليكود في رفض العودة الى حدود 67، وترفض حتى اعتبار حزبها يساريا، في تقربها من المستوطنين الذين اغدقت عليهم الحب، كيف لا وهي تمثل الحزب الذي كان له الدور الاساسي والاكبر في ارسالهم لسلب الاراضي الفلسطينية والاستيطان عليها.
ومن طرف آخر، يأتينا لبيد رافضا اعتبار الدولة لجميع مواطنيها، ويريدها يهودية خالصة لأن والده لم يأت من معسكرات الابادة كي يعيش في دولة ثنائية القومية! ولا يختلف هو الاخر عن نتنياهو وليبرمان ويحيموفيتش والاحزاب الصهيونية كلها في الموقف من تخليد الاحتلال في القدس الشرقية والاراضي الفلسطينية التي اقيمت عليها المستوطنات.
وفي الوقت ذاته، لا احد منهم يتحدث بعد عن الجولان، والسلام مع سوريا، فبالنسبة لهم اصبح الجولان المحتل ارضا اسرائيلية، وسوريا التي تواجه ازمة دامية، ستصبح اكثر عداوة بعد نظام الاسد، ولذلك لا يتورع نتنياهو وزمرة اليمين عن حشد القوات على حدودها، ربما لقيادة مغامرة عسكرية، على غرار مغامرة بيغن وشارون في لبنان.
وفي الجنوب، تعود عمليات الاغتيال والتهديد باجتياح شامل لقطاع غزة، على غرار ما حدث عشية انتخابات عام 2008.
وبين هذه الجبهات، نجد الجبهة الداخلية، ولا اعني جبهة الدفاع عن الداخل الاسرائيلي في مواجهة صواريخ ايران وحماس، بل جبهتنا نحن العرب، وخاصة اهلنا في النقب، الذين تجددت هذا الاسبوع حملة هدم بيوتهم وتشريدهم، المتواصلة على مدار ايام السنة، والتي يتم تعزيزها بشكل خاص عشية الانتخابات، أيضا في اطار التنافس على اكتساب اصوات المستوطنين الذين يطالبون "بمساواة" مستوطناتهم غير الشرعية وغير القانونية بعرب النقب، الذين يتهمون بالسيطرة على اراضي الدولة، بينما الوقائع والحقائق التاريخية والجغرافية تشير الى انهم يقيمون على الأرض قبل اسرائيل ومستوطنيها بمئات السنين.
ان الهجمة على اراضي عرب النقب ليست جديدة، وما هي الا ثمنا لضريبة الاتفاق الرجس الذي وقعه نتنياهو مع ليبرمان وحزبه الذي يقود منذ سنوات حملة تستهدف تفريغ النقب من سكانه العرب ومنح اراضيه لقلة منتفعة في وقت يحرم فيه اصحاب الارض الأصليين حتى من الحق بالعيش في خيمة على أرض الآباء والاجداد.
ويضاف الى ذلك كله، تعميق التمييز ضد الاقلية العربية في الداخل، وسن قوانين تسعى الى النيل من حقوقها، وسلب المزيد من اراضيها، وغير ذلك من موبقات تُكون الصورة الكاملة لسياسة عدوان داخلي وخارجي، يسعى كل طرف من الاحزاب الصهيونية الى استغلالها بطريقته لتحقيق مكاسب انتخابية.
ويبقى صوتنا الضعيف في مواجهة هذه الصورة.. صوتنا المتمثل في احزابنا العربية التي تسعى للحفاظ على صوتها الجهوري ضد سياسة العدوان والاحتلال وسلب الارض وهدم البيوت، وسط هذا الضجيج الحربي وقرع الطبول الذي لا يتوقف.
وهكذا وفي ظل جنوح غالبية سكان البلاد اليهود الى التطرف والابرتهايد وكراهيتهم الشديدة للعرب، لا يجد نتنياهو وليبرمان وبراك وسيلة تحقق مصالحهم الانتخابية، افضل من قرع طبول الحرب وادخال اليهود في دوامة الخوف من الحرب والعرب الذين يعتبرهم هم العدو الاكبر بعد هتلر ومحرقته. نتنياهو، يخوض هذه الأيام اول حرب له كرئيس للحكومة، وكما يبدو لا يهمه لا هو ولا وزير امنه، كم ستحصد هذه الحرب من الارواح، وما مسرحيته نتنياهو امام السفراء الاجانب والتلويح بأطفال سديروت واستغلال براءتهم إلا لخدمة هدفه الدنيئ: حصد اكبر ما يمكن من الاصوات.
عشية الانتخابات الوشيكة، كما السابقة، تقف البلاد على كف عفريت يهدد بجحيم آخر.. قد يعرف نتنياهو وليبرمان ويحيموفيتش وموفاز ولبيد وغيرهم كيف يبدأ.. لكن لا احد يعرف كيف واين سينتهي.