تصاعدت اعتداءات المستوطنين واليمين المتطرف في إسرائيل ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر، على مدار الأسابيع الأخيرة. ورغم أن هذه الاعتداءات في الضفة ليست جديدة، إلا أن الاعتداءات داخل الخط الأخضر، وبكثافة نسبية، تعكس وضعًا غير مألوف. وتميزت الاعتداءات الأخيرة بأنها كانت موجهة ضد أماكن مقدسة، وذلك إلى جانب الاعتداءات الجسدية ضد الفلسطينيين في الضفة خصوصا.
فقد بدأت هذه الاعتداءات بإحراق مساجد في قرى الضفة، كان آخرها إحراق مسجد قرية قصرة قرب مدينة نابلس. وبعد ذلك أحرق متطرفون يهود، مطلع الأسبوع الماضي، مسجدا في قرية طوبا الزنغرية، القريبة من مدينة صفد، التي تعتبر أحد معاقل اليمين المتطرف في شمال إسرائيل. وفي نهاية الأسبوع الماضي دنّس متطرفون يهود المقبرة الإسلامية ومقبرة الروم الأرثوذكس في مدينة يافا، وقاموا بتكسير شواهد قبور وكتابة شعارات عنصرية مثل "الموت للعرب" و"جباية الثمن"، وهي عبارة يطلقها المستوطنون على الاعتداءات التي ينفذونها ضد الفلسطينيين في الضفة. وأول من أمس تم العثور على كتابات عنصرية، مثل "الموت للعرب" و"كهانا كان على حق" على جدران في مدينة بات يام المحاذية ليافا.
واللافت فيما يتعلق بالاعتداءات داخل الخط الأخضر أن الشرطة تحاول تخفيف هذه الجرائم، وخصوصا تدنيس المقبرتين العربيتين في يافا، من خلال الحديث عن احتمال تنفيذ مؤيدي فرق كرة قدم لهذه الاعتداءات. أما فيما يتعلق باعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين وأملاكهم ومقدساتهم في الضفة، فإن القاعدة السائدة لدى سلطات الاحتلال هي إعفاء المستوطنين من أية عقوبات. وحتى عندما أبعد الجيش الإسرائيلي نفرا من المستوطنين المتطرفين عن الضفة، فإن هؤلاء مشتبهون، الآن، بإحراق مسجد طوبا الزنغرية.
وفي سياق آخر صادقت الحكومة الإسرائيلية، أول من أمس الأحد، على توصيات "اللجنة من أجل التغيير الاجتماعي والاقتصادي" برئاسة البروفسور مانويل تراختنبرغ مستشار رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، لشؤون الاقتصاد القومي والتي تم تشكيلها في أعقاب الاحتجاجات الاجتماعية. ووجه قادة الاحتجاجات انتقادات إلى نتنياهو والوزراء في أعقاب هذا القرار، وشددوا على أن التوصيات لا تستجيب للحد الأدنى من مطالب الاحتجاجات وخصوصا تلك المتعلقة بأزمة السكن.
حول هذه القضايا أجرى "المشهد الإسرائيلي" الحوار التالي مع لناشط السياسي والاجتماعي اليساري، غادي الغازي, عضو حركة ترابط.
كتب بلال ضـاهر
"المشهد الإسرائيلي": لماذا تصاعدت اعتداءات اليمين المتطرف ضد الفلسطينيين، في الضفة الغربية وداخل إسرائيل، الآن؟
غادي الغازي: أحد الأسباب هو أنه نتيجة التوجه الفلسطيني للإعلان عن دولة مستقلة في الأمم المتحدة فإننا نقترب من الحسم السياسي ويتم كشف الأوراق. والجيش الإسرائيلي يستعد مسبقا للقيام بقمع جماعي للاحتجاج الشعبي في الضفة الغربية، والمستوطنون يستعدون أيضا. وهم يفحصون قدراتهم، لكن بإمكانهم الذهاب أبعد من ذلك بكثير في اعتداءاتهم.
وهناك سبب آخر مرتبط بالاحتجاجات الاجتماعية في إسرائيل. فعلى الرغم من أن هذه الاحتجاجات لم تتخذ موقفا حيال قضية الاحتلال، إلا أنها احتجت على تمسك الحكم بالمستوطنين اليهود وفتحت جبهة سياسية جديدة، ليس ضد الفلسطينيين، وإنما ضد الحكم والمقربين منه. وفي فترة كهذه، فإن اليمين المتطرف، وخصوصا المستوطنين، يحاول أن يفعل "من أسفل" ما تحاول السلطات فعله "من أعلى". فالسلطات حاولت إسكات الاحتجاجات الاجتماعية بواسطة إشعال النيران في غزة. واليمين يفعل ذلك من أسفل، في الشارع، بواسطة هجمات عنصرية. ورسالته هي: "أننا جميعنا يهود. يجب توجيه الضربات للعرب، ووقف النضال الاجتماعي ضد الأثرياء والحكم".
ولهذا السبب فإن لدينا، في اليسار، دورا مزدوجًا، وهو الوقوف إلى جانب أي مواطن فلسطيني يتعرّض لاعتداء، والحضور إلى أي مكان يتم فيه المسّ بالمساجد والمقابر والأفراد، مثلما فعلنا في يافا عند انتهاء يوم الغفران. كما أن لدينا دورا أعمق وأصعب أيضا، وهو عدم تمكين اليمين من جعلنا ننسى الجبهة ضد السلطات، وعدم تمكينه من إشعال نار العنصرية. ورفاقي في حركة ترابط وأنا نصارع ضد العنصرية، ليس فقط من خلال الأنشطة الاحتجاجية ضد المستوطنين في يافا واللد والرملة، وإنما عن طريق تعزيز تحالف المقموعين والمسلوبين في المجتمع الإسرائيلي ضد حكم يقمع ويسلب.
لماذا يعتدون على العرب داخل إسرائيل؟
لقد وضع اليمين المتطرف، بمن في ذلك المستوطنون المنظمون، أمامه هدفا إستراتيجيا منذ أكثر من خمس سنوات، وهو احتلال المجتمع الإسرائيلي داخل الخط الأخضر. أن يحتل "المدن المختلطة"، وأن "يهوّد" المجتمع الإسرائيلي، أي تحويل جميع الإسرائيليين إلى مستوطنين فاشيين. لذلك، فإن الفلسطينيين مواطني إسرائيل هم هدف.
وثمة هدفان للاعتداءات العنصرية: الأول، التحديد بشكل فعلي من هو مواطن ومن لديه نصف مواطنة فقط، من دون انتظار أفيغدور ليبرمان والقوانين العنصرية. ثانيا، إشعال نيران العنصرية في الشارع، على أمل أن يؤدي الغضب المبرر للمواطنين الفلسطينيين إلى دفع أحد ما للقيام بعمل مضاد مغامر، وعندها يمنح ذلك السلطات مبررًا للقيام بأعمال إضافية. وهذا بالضبط هو التكتيك الذي طوره المستوطنون في الأراضي المحتلة: يهاجمون، ثم ينتظرون رد فعل غير موزون، وعندها يكون بالإمكان شن هجوم وإقامة بؤر استيطانية عشوائية.
لماذا يدنس هؤلاء المعتدون المقدسات، مثل المساجد والمقابر؟
الإجابة القصيرة: لأنه لا رب لهم وهم، حقيقة، لا يحترمون المشاعر الدينية. والإجابة الثانية، البسيطة: لأنهم يعرفون تماما ما الذي يمس مشاعر الناس، ومن السهل القيام بذلك. والإجابة الثالثة: لأنه في عصرنا، أصبحت العنصرية المعادية للإسلام مقبولة، وليس في إسرائيل فقط، وثمة أهمية بالنسبة لهم لأن يحولوا الصراع من صراع قومي على حقوق وعدالة إلى صراع بين "الغرب" و"الإسلام".
هل انفلات اليمين المتطرف هو نتيجة لتشجيع المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية على نهب أراضي الفلسطينيين والاعتداء عليهم؟
بالتأكيد. إن الأساس التنظيمي والسياسي لليمين الإسرائيلي العنيف موجود اليوم بين المستوطنين العقائديين. لقد حصل المستوطنون من الدولة ليس فقط على الأرض التي سُلبت من الفلسطينيين، وليس فقط على موارد اقتصادية هائلة، وإنما حصلوا أيضا على الوسائل لحماية الغنائم المسلوبة، أي السلاح. وتوجد لدى اليمين الاستيطاني اليوم سرايا شبه عسكرية (paramilitary groups)، مثلما فعلوا في بلدان معينة في أميركا الجنوبية. وفي كل مستوطنة يوجد مخزن أسلحة، وفي كل مستوطنة توجد سرايا عسكرية خاصة بها. وبإمكانهم تنسيق نشاطهم مع الجيش، لكنهم ليسوا مضطرين لذلك.
أفادت صحيفة "هآرتس"، الأحد، بأن الجيش الإسرائيلي لا يكشف خطط إخلاء بؤر استيطانية أمام ضباطه وجنوده في الضفة تحسبا من تسريبها إلى المستوطنين. ماذا يعني ذلك؟
هذا يعني أن ما يحصل هو ما يحدث دائما في أي جيش احتلال. أي أنه على الرغم من وجود مواجهات موضعية بينه وبين المستوطنين، إلا أن جيش الاحتلال يتحول تدريجيا إلى جيش المستوطنين. فالجيش يرافقهم في سفرهم إلى أي مكان، والجيش يحمي أولادهم عندما يقومون بأي استفزاز، والأمر المهم حقيقة هو أنه بصورة تدريجية يمتلئ الجيش الإسرائيلي بضباط مستوطنين. وشاهدنا مرة تلو الأخرى، خلال الأنشطة التي قمنا بها في الضفة الغربية، في جنوب جبل الخليل مثلا، كيف أن ضباطا كبارا يخدمون المستوطنين الأكثر خطرا، في سوسيا على سبيل المثال.
نُشر مؤخرا أن جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) يعتقد أنه يوجد تنظيم إرهابي يهودي بين المستوطنين واليمين المتطرف. لماذا لا يلقي الشاباك القبض على أعضاء هذا التنظيم الإرهابي؟ خصوصا وأن المستوطنين المتطرفين بدأوا بمهاجمة يهود، مثل مسؤولة ملف الاستيطان في حركة "سلام الآن" حاغيت عوفران، وحتى أنهم هاجموا معسكرا للجيش الإسرائيلي في الضفة وألحقوا أضرارا بسيارات عسكرية.
صحيح أنه في الصحافة الإسرائيلية يتحدثون كثيرا عن هجمات المستوطنين ضد الجيش، لكن علينا أن نتذكر أن هذه الهجمات حتى الآن ليست بحجم كبير وهي رمزية أكثر منها هجمات مباشرة. فالمستوطنون يعرفون أنهم بحاجة للجيش رغم السلاح الذي بحوزتهم وهم غير قادرين على البقاء من دون الجيش.
هناك أمر آخر وهو أنه في الماضي كانت هناك تنظيمات إرهابية سرية منظمة أقامها المستوطنون، مثل التنظيمات التي حاولت اغتيال رئيس بلدية نابلس السابق، بسام الشكعة، وحاولت تفجير المسجد الأقصى. واليوم، يبدو أننا نواجه عصابات صغيرة، ليست بحاجة إلى تنظيم مركزي، وتعرف ما يتوجب فعله من دون أن يوجهها أحد بأن تضرب العرب. فاليمين الاستيطاني متماسك جدا من الناحية الاجتماعية وأفراده يعرفون المكائد جيدا.
ويتم أحيانا استخدام "العقوبات الجماعية" ضد مجموعات متماسكة، لكن العقوبات الجماعية تمارس، كما هو معروف، ضد الفلسطينيين فقط...
كناشط اجتماعي وسياسي، ما رأيك في مصادقة الحكومة الإسرائيلية على تبني تقرير تراختنبرغ؟ وهل يتوقع تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية؟
الأمر الأهم الذي تعلمناه خلال العام الأخير هو أنه على الرغم من أنه لا يمكن العلم مسبقا متى ستأتي موجة الاحتجاج... إلا أن الناس لن تصمت بعد أن تعلمت التحدث والصراخ والمطالبة بحقوقها.
وحكومة إسرائيل لا تفهم عِبَر الربيع العربي، الذي غير القواعد لجميع الحكام والمستبدين في الشرق الأوسط، ومن دونه ما كان بالإمكان انطلاق موجة الاحتجاجات الاجتماعية في الصيف الماضي. فالربيع أوصل إلى الصيف، والصيف يوصل إلى الشتاء. وما دام هناك أناس يتم إلقاؤهم خارج بيوتهم، وما دام ثلث الأولاد يعيشون في إسرائيل تحت خط الفقر، وما دام الثراء يتراكم في أيد فئة قليلة، فإنه لن يكون هدوء. وهذه مسألة وقت وحسب.
- نُشر في ملحق "المشهد الإسرائيلي" الصادر عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية – مدار، رام الله، عدد 11/10/2011